< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

التنبيه الثالث:

قال صاحب الكفاية: "الظاهرلحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات والجهات، في أنه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في جوازالاجتماع،كانتعددالإضافاتمجديا؛ضرورةأنه يوجب أيضا اختلاف المضافبهابحسبالمصلحةوالمفسدةوالحسنوالقبح عقلا، وبحسب الوجوب والحرمةشرعا،فيكونمثل(أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق) من باب الاجتماع؛ ﻛ(صل) و(لا تغصب)، لا من باب التعارض".

هذه هي المسألة الأخيرة من فصل اجتماع الأمر والنهي، وكان من الأجدى بمثل الآخوند أن لا يلحقها بمسألتنا؛ لما سيظهر من أنها خارجة عن محل الكلام.

حاصل هذه المسألة: إنه مرة تتعدد العناوين؛ مثل (صل) و(لا تغصب)؛ فإن عنوان الصلاة غير عنوان الغصب، وقد تعلق الأمر بالأول وتعلق النهي بالثاني، ثم اجتمعا اتفاقا في مورد واحد، فهنا تدخل المسألة في اجتماع الأمر والنهي على ما مر تفصيله من أنه بناء على أن تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون، فنقول بالجواز حينئذ، وبناء على أن تعدده لا يوجب تعدد المعنون، فنقول بالامتناع حينئذ.

وأخرى يكون العنوان واحدا، إلا أن إضافاته متعددة؛ مثل (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق)؛ فإن متعلق الأمر والنهي واحد، وهو (الإكرام)، إلا أن المضاف إليه في الأمر هو (العلماء)، بينما المضاف إليه في النهي هو (الفساق)، فتعدد الإضافات - وإن كان العنوان واحدا - يجعل المسألة من مسائل اجتماع الأمر والنهي تماما كما في تعدد العنوان؛ إذ كما أن الأمر بالصلاة فيه مصلحة تقتضي الوجوب والحسن، فكذلك الأمر بالإكرام بالإضافة إلى العلماء فيه مصلحة تقتضيهما أيضا، وكما أن النهي عن الغصب فيه مفسدة تقتضي الحرمة والقبح، فكذلك النهي عن الإكرام
بالإضافة إلى الفساق فيه مفسدة تقتضيهما أيضا.
وعليه، بما أنه لا فرق بينهما إلا من جهة تعدد العنوان، فالمفروض أن تبحث مسألة (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق) في باب اجتماع الأمر والنهي. وإنما بحثها العلماء في باب التعارض لأحد أمرين: إما لتحقق ملاك التعارض فيها، وهو إحراز عدم وجود ملاكين فيها، وإما لأنهم ذهبوا إلى الامتناع، فتكون المسألة عندهم في نهاية المطاف داخلة في باب التعارض، وإلا فلولا أحد هذين الأمرين لبحثت هذه المسألة في باب اجتماع الأمر والنهي بلا إشكال.
هذا حاصل كلام صاحب الكفاية في تفنيد هذه المسألة وإلحاقها بباب اجتماع الأمر والنهي، وفيه: أولا: إننا نبهنا فيما مضى أن العناوين الاشتقاقية خارجة عن مسألة اجتماع الأمر والنهي؛ لأن الجهة فيها تعليلية لا دخالة لها في موضوع الحكم الشرعي، فلا هي موضوعه ولا جزء موضوعه؛ فإن معنى عموم وجوب الإكرام الاستغراقي في (أكرم العلماء) هو انحلال وجوب الإكرام وثبوته لكل عالم على حدة لعلة علمه، ومعنى عموم حرمة إكرام الفساق الاستغراقي في (لا تكرم الفساق) هو انحلال حرمة الإكرام وثبوتها لكل فاسق على حدة لعلة فسقه.

وعليه، فمورد اجتماع وجوب إكرام العلماء وحرمة إكرام الفساق في الخارج؛ حيث إن بينهما عموما وخصوصا من وجه، هو زيد العالم الفاسق، وهو واحد في الخارج غير متعدد، وبناء على ما ذكره صاحب الكفاية من دخول المسألة في باب اجتماع الأمر والنهي، يصح النـزاع حينئذ في إمكان الاجتماع وعدمه مع أنه لا يمكن النـزاع هنا أصلا؛ إذ لا يعقل اجتماع المصلحة الملزمة والمفسدة الملزمة في شيء واحد وآن واحد؛ بحيث يكون محبوبا ومبغوضا في آن واحد. ومن هنا قلنا: إن المسألة داخلة في باب التعارض؛ لتحقق مناطه، وهو التكاذب بين الدليلين بحيث لا يمكن صدورهما عن الشارع؛ فإنه تكليف محال، وليس المناط هو إحراز عدم الملاكين.
ثانيا: إن ما ذكره صاحب الكفاية من أحد أمرين لإلحاق المسألة في باب التعارض في غيره محله. أما الأمر الأول، ففيه: إنه ليس للعلماء سبيل إلى إدراك ملاكات الأحكام وجهاتها الواقعية ليدعى أنهم ألحقوا هذه المسألة لإحرازهم ملاكا واحدا فيها. ثم لو كانوا قد أحرزوا ذلك، فلماذا لا يذكرون أن هذا الملاك المحرز هو للوجوب أم للحرمة؛ حيث ينتفي التعارض حينئذ؟!

وأما الأمر الثاني، ففيه: إن كلمة العلماء لم تتفق على الامتناع ليكون ذلك سببا لإلحاق المسألة في نهاية المطاف بباب التعارض، بل نراهم اختلفوا في آرائهم؛ فذهب بعضهم إلى الامتناع مطلقا، بينما ذهب آخرون إلى الجواز مطلقا، وذهب غيرهما إلى التفصيل.

وهكذا عرفت من علة ما قدمناه أن إلحاق هذه المسألة في باب اجتماع الأمر والنهي لم يكن في محله، وهذا ما جعل بعض المعلقين يعرضون عنها صفحا.

والخلاصة: إن ما ذهب إليه النائيني وهو القول بالجواز مطلقا؛ لأن كلاًّ من العنوانين من مقولة مختلفة، وما ذهب إليه صاحب الكفاية وهو القول بالامتناع مطلقا؛ لأن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون، في غير محله؛ إذ الإنصاف هو التفصيل؛ حيث لا بد من ملاحظة المجمع؛ فإن كان واحدا، فنذهب إلى الامتناع، وتكون المسألة صغرى لباب التعارض، وإن كان متعددا، فنذهب إلى الجواز، وتكون المسألة صغرى لباب التزاحم.

ثم بناء على الامتناع، وفقدان المرجح لأي من الجانبين، فما ذكر من مرجحات ثلاثة لتقديم جانب النهي لم يكتب له التوفيق، وإنما المرجع إلى البراءة؛ حيث تجري عن الحرمة، فلا تكون الصلاة مقيدة بغير المكان المغصوب، فتصح الصلاة فيه حينئذ، والله العالم.
وقع الفراغ منه ليلة الأربعاء الخامس عشر من جمادى الآخر سنة 1435ﻫ، الموافق 15 نيسان سنة 2014م بيد العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني، حسن بن علي الرميتي العاملي (عامله الله بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه) إنه سميع مجيب. وأسأل الله أن يوفقنا لبقية الأبحاث. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo