< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

أما فيما يتعلق بمسألة نجاسة أحد الإناءين ووجوب إهراقهما على ما ورد في موثقة سماعة[1]، فيقول صاحب الكفاية: "ومن هنا انقدح أنه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين؛ فإن حرمة الوضوءمنالماءالنجسليس إلا تشريعيا، ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا، فلاحرمةفيالبينغلبجانبها، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك، بل إراقتهما كما في النص، ليس إلا من باب التعبد، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكمالاستصحاب؛ للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية، إمابملاقاتها،أوبملاقاةالأولى، وعدم استعمال مطهر بعده، ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى".
هذا الكلام نظير ما تقدم في مسألة الاستظهار؛ فإن حرمة الوضوء من الإناءين تشريعية لا ذاتية، وبالتالي إن توضأ منهما غير قاصد التشريع؛ كما لو توضأ رجاء، فلا يكون وضوؤه محرما، بل يكون مقطوع الحلية، فتخرج المسألة عن محل الكلام، كما أنه لو توضأ بقصد التشريع، فيكون وضوؤه مقطوع الحرمة لا أنه محتمل الحرمة ليدور الأمر بينها وبين الوجوب، فتكون المسألة خارجة أيضا عن محل الكلام.
وإن قيل: لماذا لا يصح الوضوء بهما احتياطا؛ بأن يتوضأ بالأول ويصلي، ثم يطهر مواضع الوضوء بالثاني ويتوضأ به ويصلي؟ قلنا: لولا النص بوجوب الإهراق لأمكن ذلك.
وقد يقال: إن وجوب الإهراق ليس للتعبد، بل لكي لا يبتلى المكلف بالنجاسة الحاصلة على كل حال؛ أي سواء كان الإناء الذي توضأ به أولا هو النجس أم الثاني، فلا تمكن الصلاة حينئذ، وتوضيحه: بعد الوضوء بالإناء الأول، وبمجرد ملاقاة ماء الإناء الثاني للبدن وقبل انفصاله، يحصل العلم التفصيلي بالنجاسة؛ لأنه إن كان الإناء الأول نجسا، فقد تنجس بالوضوء منه، ومجرد ملاقاة ماء الإناء الثاني المفروضة طهارته لا يكفي في التطهير قبل الانفصال، وإن كان الإناء الثاني هو النجس، فقد تنجس البدن بمجرد ملاقاته. وعليه، فقبل الانفصال هناك علم تفصيلي بتنجس البدن، فإذا انفصل الماء، شككنا في حصول الطهارة، فنستصحب النجاسة المعلومة تفصيلا قبل الانفصال بلا معارض.
نعم، هذا في صورة ما لو كان الوضوءان حاصلين بالماء القليل، أما لو فرضنا الشك في نجاسة أحد الكرين، فينتفي العلم التفصيلي بالنجاسة قبل انفصال الماء الثاني؛ لأن التطهير بالكر يحصل بمجرد الملاقاة، فتكون المسألة حينئذ داخلة في موارد تعاقب الطهارة والنجاسة والجهل بالأول منهما، وهنا رأيان: الأول لصاحب الكفاية ومن تبعه، وهو أن استصحاب الطهارة واستصحاب النجاسة غير جاريين ذاتا؛ لعدم اتصال زمن الشك بزمن اليقين. والثاني: وهو ما نحن عليه، من أنهما جاريان، إلا أنهما يتعارضان فيتساقطان، فتأتي النوبة إلى قاعدة الطهارة.
والنتيجة: إن كان الماء الأول والثاني قليلا، فلا تمكن الصلاة إما من باب التعبد بالإهراق، أو من باب الابتلاء بالنجاسة. وإن كان كل منهما كرا، فتمكن الصلاة بالاستناد إلى قاعدة الطهارة بعد سقوط الاستصحابين بالمعارضة.
أما السيد الحكيم، فقد ذهب إلى إمكانية تصحيح الصلاة حتى فيما لو كان الماء الأول والثاني قليلا؛ وذلك بالكيفية المتقدمة، وهي التوضؤ بالماء الأول، ثم الصلاة، ثم تطهير مواضع الوضوء بالماء الثاني، ثم التوضؤ به، ثم الصلاة؛ فتكون إحدى صلاتيه صحيحة حينئذ؛ لأنه إن كان الماء الأول طاهرا، فقد صحت صلاته الأولى بالتوضؤ منه، وإن كان نجسا وبالتالي الصلاة فاسدة، فقد تم تطهير المتنجس به بالماء الثاني، ومن ثم التوضؤ به، فتكون صلاته الثانية صحيحة.
وفيه: إنه بعد حصول العلم التفصيلي بتنجس أعضاء الوضوء بمجرد ملاقاتها للماء الثاني وقبل الانفصال، ومن ثم استصحاب النجاسة بعد الانفصال، لا تكون الصلاة الثانية مجزية، ولا يمكنه الاكتفاء بالصلاة الأولى. وعليه، فهذا الكلام لم يكتب له التوفيق.
نعم، هذا على مبنى المشهور، أما على مبنانا من أن الماء القليل لا ينفعل بالمتنجس غير المائع، فينتفي العلم التفصيلي بالنجاسة بمجرد ملاقاة الماء الثاني، فيبقى استصحاب النجاسة معارضا باستصحاب الطهارة، فيتساقطان، فنرجع إلى قاعدة الطهارة، فتصح الصلاة حينئذ.
وهكذا، ثبت أن مورد الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما لا بعينه ليس من موارد تقديم النهي.
والخلاصة: في موارد اجتماع الأمر والنهي وعدم المرجح لأحدهما بعد البناء على الامتناع، لا قاعدة تفيد تقديم أحدهما على الآخر، وإنما تجري البراءة عن الحرمة كما تقدم، فتصح الصلاة حينئذ بلا إشكال، والله العالم بحقائق الأمور، وهو ذو الجلال والإكرام.



[1] موثقة سماعة قال: "سألت أبا عبد الله عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو، وليس يقدر على ماء غيره؟ قال: يهريقهما جميعا ويتيمم". وسائل الشيعة باب 8 من أبواب الماء المطلق ج1، ص151، ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo