47/05/04
خیار الحیوان
الموضوع: خیار الحیوان
كما أنَّه يُشْكل على السّيِّد المرتضى (رحمه الله): أنَّه لا يعمل بخبر الواحد، فكيف عمل بهذه الرِّواية؟!
وبالجملة، فهذا لا يناسب أصوله.
والإنصاف: أنَّ هذه الصَّحيحة -مع قطع النَّظر عن الإشكال الوارد على دلالتها- تُعارِض الرِّوايات المستدلّ بها للمشهور، إلَّا أنَّ التَّرجيح مع الرِّوايات المستدلّ بها للمشهور؛ وذلك لا لأجل أنَّها مشهورة، وتلك شاذّة، فقد عرفت في علم الأصول أنَّ الشُّهرة الرِّوائيّة ليست من المرجّحات عندنا، بل لأجل أنَّ الرِّوايات المستدلّ بها للمشهور موافقة للكتاب، وهو قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[1] .
فهذه الآية الكريمة تدلُّ على لُزوم العقد، خرج منها بالاتِّفاق المشتري، وبقي البائع.
وأمَّا صحيحة ابن مسلم، فإنَّها مخالفة له؛ لأنَّها تدلُّ على ثبوت الخيار للبائع، والآية الكريمة تنفي ذلك.
ثمَّ إنَّه لو سلّمنا بعدم وجود المرجِّح، ووصلت النَّوبة إلى التَّساقط، فالمرجع هو أصالة اللُّزوم، خرج منها بالاتِّفاق المشتري وبقي البائع.
وأمَّا ما اختاره صاحب المسالك (رحمه الله)، وجملة من الأعلام: من أنَّ الخيار لذي الحيوان مطلقاً، فيكون لهما إن كان العوضان حيوانَيْن، والمشتري خاصّة في بيع الحيوان بغيره، وللبائع خاصَّة في بيع غيره به.
فقد يستدلّ لهم بصحيحة مُحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): البيِّعان بالخيار حتَّى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيامٍ)[2] .
وقد يُقال: إنَّ صاحب الحيوان منصرف إلى خصوص المشتري.
وفيه: أنَّ منشأ الانصراف هو الغلبة الخارجيَّة، أي: أنَّ الغالب في الخارج أنَّ المشتري هو صاحب الحيوان.
ومن المعلوم، أنَّ الانصراف النَّاشئ من الغلبة الخارجيَّة لا يعتدّ به.
والجواب الصَّحيح عن هذا الاستدلال: هو أنَّ الصَّاحب في موثَّقة ابن فضَّال المتقدِّمة قد قيّد بالمشتري.
وعليه، فينحصر الصَّاحب بالمشتري، حيث ورد فيها (صاحب الحيوان المشتري...).
إن قلت: إنَّ المطلق في الأحكام الانحلاليَّة لا يحمل على المقيّد؛ لعدم التَّنافي بينهما إذا كان كلّ منهما مثبتاً.
كما في قولك: أكرم العالم، وأكرم العالم العادل، فإنَّ المطلق لا يحمل على المقيّد؛ لعدم التَّنافي بينهما، فيبقى كلٌّ منهما على ظهوره.
وما نحن فيه من هذا القبيل؛ إذ لا منافاة بين ثبوت الخيار لكلٍّ منهما مع ثبوته للمشتري.
وفيه: أنَّ هذا الكلام، وإن كان صحيحاً، على ما ذكرناه في علم الأصول، إلَّا أنَّه إنَّما يتمّ إذا لم تكن قرينةً على خلاف ذلك، وهي موجودة هنا، وهي كون الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الحدّ والضَّابطة، وقد بيَّن (عليه السلام) أنَّ الصَّاحب هو المشتري فقط.
وعليه، فلابُدّ من حمل المطلق على المقيّد.
أضف إلى ذلك: أنَّ الرِّوايات المستدلّ بها للمشهور، والنَّافية لكون الخيار للبائع تصلح أن تكون مقيّدةً أيضاً للمطلق.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه المشهور من اختصاص خيار الحيوان بالمشتري هو الصَّحيح.
والله العالم بحقائق أحكامه.