« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (29)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (29)/

 

الدَّليل الثَّاني: أنَّ الخيار لو كان من حين العقد لكان تأكيداً لخيار المجلس، أمَّا لو كان بعد انقضاء المجلس وبعد التّفرُّق لكان تأسيساً، والتَّأسيس أولى من التَّأكيد.

وفيه أوّلاً: أنَّ التَّأسيس غير لازمٍ.

وثانياً: أنَّ أوَّلويّته من التَّأكيد إنَّما هي في الألفاظ -كما إذا وردت عباراتان، واحتمل تأدية إحداهما ما أدَّته الأُخرى، وغير ما أدَّته، فإنَّها تحمل على الثَّاني- لا في الأحكام.

ثمَّ لو سلَّمنا في الأحكام، إلَّا أنَّ مخالفة التَّأسيس غير قادحةٍ مع قيام الدَّليل، أو معارضته بما هو أقوى منه، كما عرفت.

الدَّليل الثَّالث: أنَّه لو كان مبدأ الخيار من حين العقد للزم اجتماع المِثلَيْن، أو تداخل الأسباب؛ لأنَّ الثَّابت قبل التّفرُّق إمَّا خياران -خيار المجلس وخيار الحيوان أو خيار المجلس وخيار الشَّرط- أو أحدهما.

وعلى الأوَّل: يلزم اجتماع المِثلَيْن.

وعلى الثَّاني: يلزم اجتماع السَّببَيْن على مسبَّب واحد.

وفيه: أمَّا مسألة اجتماع المِثلَيْن، فيرد عليه: أنَّ الخيار واحد بالذَّات مختلف بالاعتبار فلا اجتماع للمِثلَيْن.

وأمَّا مسألة تداخل الأسباب، ففيه أوَّلاً: أنَّ الفائدة بقاؤه بأحد الاعتبارَيْن مع سقوط الآخر، فلا تتداخل الأسباب.

وثانياً: ما ذكره جماعة كثيرة من الأعلام، ومنهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، أنَّ الأسباب الشَّرعيّة معرّفات لا مؤثّرات، فلا استحالة في اجتماعها، كما اجتمعت في المجلس، والعيب وخيار الرُّؤية.

أقول: لا إشكال في اجتماع خيارَيْن أو أكثر، كما في اجتماع خياري الغبن والمجلس، وخياري الغبن والشَّرط، وغيرهما.

نعم، القول: بأنَّ الأسباب معرِّفات، في غير محلِّه، فهي لا معرِّفات ولا مؤثِّرات.

نعم، قدِ اصطلح الفقهاء على تسمية عناوين الأحكام الوضعيَّة، كالبيع والصُّلح والنِّكاح، ونحوها، بالأسباب، وإلَّا فهي موضوعات للأحكام الشَّرعيّة، كالموضوعات في الأحكام التَّكليفيّة.

وعليه، فالمؤثِّر الحقيقيّ في الأحكام الشَّرعيّة هو اختيار الشَّارع المقدَّس، وإرادته.

نعم، الأسباب قد تكون موضوعات للأحكام، ولا يتخلَّف الحكم الشَّرعيّ عنها.

والخلاصة: أنَّ الأقوى: أنَّ مبدأ الخيار في كلِّ مَنْ خيار الحيوان، وخيار الشَّرط من حين العقد.

ثمَّ إنَّه قد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يبطل الشَّرط لو كان مبدأ الخيار من حين التّفرُّق للجهل بزمن التّفرُّق.

ولهذا، لو صرَّحا به من حين التّفرَّق لم يصحَّ؛ للجهالة.

ولكن قد عرفت في أكثر من مناسبة، أنَّ الجهل به المؤدِّي إلى الغرر لا يوجب البطلان؛ لعدم الدَّليل على بطلان الشَّرط الغرريّ.

والنَّتيجة في نهاية المطاف: أنَّ مبدأه من حين العقد؛ لتبادر الاتِّصال من الرِّوايات الواردة في المقام.

 

قول الماتن: (الرَّابع: يجوز اشتراط مدَّةٍ متأخّرةٍ عن العقد، فيلزم بينهما)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز اشتراط مدّةٍ متأخِّرة عن العقد، كأن يشترط خيار ثلاثة أيامٍ، أو أزيد من آخر الشَّهر.

ونسب العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة الخلاف فيه إلى الشَّافعي.

وقال في موضع آخر من التَّذكرة: لو شرط خيار الغد دون اليوم، صحّ عندنا على ما تقدَّم، خلافًا للشَّافعي... [1]

أقول: يدلُّ على ذلك -مضافاً للتَّسالم بيننا- عموم أدلَّة لزوم العمل بالشَّرط.

ويدلّ عليه أيضاً: قضيَّة إطلاق المدَّة المتناولة للمتَّصلة بالعقد، والمنفصلة عنه.

وأمَّا احتمال البطلان؛ هرباً من انقلاب اللَّازم جائزاً، حيث كان لازماً في الزَّمن الفاصل بين العقد والمدَّة، فكيف يصبح جائزاً؟!

وفيه: أنَّ ذلك جائز، مثل خيار التَّأخير، فمَنْ باع ولم يقبض الثَّمن، ولا سلّم المبيع، ولا اشترط تأخير الثَّمن، فالبيع لازم ثلاثة أيامٍ، ثمَّ له الخيار بعد الثَّلاثة في فسخ البيع.

وكذا خيار تخلُّف الشَّرط، حيث إنَّ العقد بعدما كان لازماً ينقلب إلى الجواز فيما إذا لم يعمل المشروط عليه بالشَّرط.

وكذا خيار الرُّؤية، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

وكما أنَّ انقلاب اللُّزوم إلى الجواز جائز، فكذا انقلاب الجواز إلى اللُّزوم جائز أيضاً، كما في كثير من البيوعات، حيث تصير لازمةً بعد انقضاء زمان الخيار.

 


[1] التَّذكرة: ج11، ص: 51.
logo