« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (23)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (23)/

 

قول الماتن: (إلا النِّكاح)

 

هذا هو المورد الأوَّل الَّذي لا يدخله خيار الشَّرط.

وفي مفتاح الكرامة: (أمَّا النِّکاح فلا یجری فیه خیار أصلاً إجماعاً، کما في الخلاف والمبسوط والسَّرائر وجامع المقاصد والمسالك...)[1]

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده)[2] .

أقول: العمدة في عدم جريان الخيار في النِّكاح هو التَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً.

وفي الجواهر: ويؤيِّده (مشاكلته العبادة، وابتنائه على الاحتياط التَّامّ، وسبق التَّروي فيه، وتوقّفه على رافع مخصوص، فلا يرتفع بغيره...)[3]

وقد أخذ ذلك عن صاحب مفتاح الكرامة (رحمه الله)، إلَّا أنَّ الأخير جعل هذه الأمور أدلَّةً لا مؤيِّدةً.

والإنصاف: أنَّ هذه الأمور لا تصلح أن تكون أدلّةً، فإنَّ النِّكاح لا يشبه العبادة الَّتي لا تقبل الخيار؛ إذ لا يشترط قصد القربة في النِّكاح حتَّى يشابه العبادة.

وأمَّا ابتناؤه على الاحتياط التَّامّ، فهو يصلح للتَّأييد، كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله).

وأمَّا توقُّفه على رافع مخصوص -وهو الطَّلاق- فهو في الغالب كذلك، وإلَّا قد ينفسخ النِّكاح بأحد العيوب الموجبة للفسخ، كما لا يخفى.

ثمَّ إنَّه قد يُستدلّ لعدم جريان الخيار في النِّكاح: بأنَّ شرط الخيار فيه منافٍ للدَّوام المعتبر في النِّكاح؛ لأنَّ معنى جعل الخيار في النِّكاح هو أنَّ النِّكاح مؤقّت، فلا يكون نكاحاً مطلقاً دائميّاً، وشرط الخيار حينئذٍ مخالف لمقتضى العقد.

ويرد عليه: أنَّ شرط الخيار لا ينافي الدَّوام، فإنَّه رفع للموجود لا توقيت له، بل جاز توقيته بمثل الطَّلاق؛ لأنَّ النِّكاح في الواقع مؤقّت بزمان الطَّلاق، وكذا توقيته بأحد العيوب الموجبة للخيار.

وعليه، فهو مؤقَّت في الخيار بذلك، فالتَّصريح به لا يزيد على واقعه، وقد أمضى ذلك الشَّارع المقدَّس.

وبالجملة، فإنَّ شرط الخيار لا ينافي الدَّوام.

ولذا جاز في البيع شرط الخيار، مع أنَّ الملكيَّة فيه أُنشئت للدَّوام.

والخلاصة: أنَّ العمدة في عدم جريان الخيار في النِّكاح هو التَّسالم بين الأعلام.

 

قول الماتن: (ولا يصحّ في الإبراء، والوقف والعِتْق على خلاف فيهما، ولا في الطَّلاق)

 

من جملة الموارد الَّتي قيل إنَّه لا يدخل فيها الخيار: الإيقاعات، فإنَّه لا يجري خيار الشَّرط وغيره في شيءٍ منها، ولا يختصُّ المنع بالطَّلاق والعتق والإبراء -أي: الإبراء بين الدَّائن والمديون-، بل يطَّرد المنع في سائر الإيقاعات، وعدم اختصاصه بالثَّلاثة، وسواء أكان الشَّرط هو شرط الخيار أم مطلق الشَّرط.

أقول: يقع الكلام:

تارةً: في الإيقاعات.

وأُخرى: في الوقف.

والوقف، وإن كان في الواقع من الإيقاعات؛ إذ لا يُحتاج فيه إلى قبول، إلَّا أنَّه من الأفضل أن نتكلَّم فيه على حدة.

أمَّا الكلام في الإيقاعات غير الوقف، سواء كانت من الثَّلاثة المتقدِّمة -أي: الطَّلاق والإبراء والعِتْق- أو غيرها: فقد ذكر جماعة كثيرة من الأعلام -بل هو المشهور بينهم- أنَّ الإيقاعات لا يجري فيها الشَّرط، سواء أكان خياراً أم غيره.

وقدِ استدلُّوا لذلك بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع المحكيّ في المبسوط على المنع في الطَّلاق والعِتْق.

وفي المسالك: الإجماع على المنع في العتق والإبراء.

وفي السَّرائر: نفى الخلاف عن عدم جريانه في العتق والطَّلاق.

وفيه -مضافاً إلى كونه أخصّ من المدَّعى؛ لأنَّ الكلام في كلِّ الإيقاعات لا في خصوص الطَّلاق والعِتْق، أو خصوص العِتْق والإبراء-: أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجّةٍ، لاسيَّما أنَّه مدركيّ أو محتمل المدركيَّة، فلا يكون إجماعاً تعبُّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام).

اللَّهمّ إلَّا أن يُدَّعى: التَّسالم على عدم جريان خيار الشَّرط في هذه الأمور الثَّلاثة، لا مطلق الشَّرط، ولا مطلق الإيقاعات، ولا يبعد ذلك في خصوص الثَّلاثة.

ومنها: أنَّ المفهوم من الشَّرط ما كان بين اثنَيْن، كما نبَّهت عليه جملةٌ من الأخبار:

مثل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سمعتُه يقول: منِ اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الَّذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم ممَّا وافق كتاب الله عزّوجلّ)[4] .

________________

والإيقاع إنَّما يقوم بواحد، فهو يعتق عبده من دون اطِّلاع أحدٍ، لا العبد ولا غيره، أو يطلق زوجته من دون إخبارها.

وعليه، فهذا الدَّليل على المنع لا يختصُّ بالطَّلاق والعِتْق والإبراء، بل يشمل جميع الإيقاعات.

وفيه أوَّلاً: أنَّ الشَّرط يحتاج إلى المشروط له -أي: الشَّارط-، والمشروط عليه، وهذا موجود في الإيقاعات، فالمشروط له في الطَّلاق مثلاً هو الزَّوج، والمشروط عليها هي الزَّوجة.

وكذا في سائر الإيقاعات، كالإبراء بين الدَّائن والمديون، والعتق بين السّيِّد وعبده.

ولا حاجة إلى إيجاب من الشَّارط، وقبول من المشروط عليه، أي: لا يتوقَّف على الإيجاب والقبول.

وثانياً: أنَّ الفقهاء جوَّزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمة مدّةٍ معيّنةٍ؛ تمسُّكاً بعموم (المؤمنون عند شروطهم).

وبموثَّقة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (قال: أوصى أمير المؤمنين (عليه‌السلام)، فقال: إنَّ أبا نيزر ورباحاً وجبيراً أُعتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين)

وكذا غيرها.

وقد عنون ذلك صاحب الوسائل (رحمه الله)، حيث قال: (باب: أنَّ مَنْ أعتق مملوكاً، وشرط عليه خدمةً مدّةً معيّنةً لزم الشَّرط)[5]

 


[1] مفتاح الكرامة: ج4، ص568.
[2] الجواهر: ج23، ص62.
[3] الجواهر: ج23، ص62.
[4] الوسائل باب6 من أبواب الخيار ح1.
[5] الوسائل: ج23، ص25.
logo