« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (22)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (22)/

 

قول الماتن: (ومعهما، أو مع أحدهما)

أي: يجوز جعل الخيار للأجنبيّ وحده، كما يجوز جعله له ولأحدهما، أو جعله له ولهما، وهذا واضح لا إشكال فيه.

ولا فرق في ذلك بين الاتِّفاق في المدَّة، أو الاختلاف، كأن تكون مدَّة أحدهما أكثر من مدَّة الآخر، فإذا مضت مدَّة صاحب المدَّة القصيرة لزم من جهته، وكان لصاحبه الخيار حتَّى تنقضي مدَّته؛ وذلك لأنَّه شُرِّع للإرفاق بهما، فكلُّ ما تراضيا به جاز.

 

قول الماتن: (فلو خُولِف أمكن اعتبار فعله، وإلَّا لم يكن لذكره فائدة)

 

قد عرفت أنَّه إذا اتّحد ذو الخيار فالأمر إليه.

وأمَّا لو جعل الخيار لمتعدِّد، كما لو اشترط الخيار لنفسه وللأجنبيّ على نحو الاستقلال، بأن يكون لكلٍّ منهما خيار مستقلّ.

وعليه، فإذا سبق أحدهما الآخر بالفسخ فيسقط خيار الآخر أيضاً لانفساخ العقد، وارتفاعه بفسخ السَّابق منهما.

وأمَّا إذا سبقه بإمضاء العقد، فمعناه: أنِّي أسقطت حقِّي، ورفعت يدي عن خياري، ولا يسقط بذلك خيار الثَّاني منهما؛ لأنَّ إسقاط الأوَّل حقَّه لا يستلزم إسقاط الآخر له.

وعليه، فإذا فسخ الثَّاني فينفسخ العقد بلا إشكال.

ومن هنا، يتَّضح لك أنَّ ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من قوله: (فلو خُولف -أي: اختار كلّ منهما غير ما يختاره الآخر- أمكن اعتبار فعله...)، في غير محله قطعاً، بل ينبغي الجزم بتقديم الفاسخ، ولو كان الفاسخ هو الأجنبيّ.

هذا كلُّه إذا اشترط الخيار لنفسه وللأجنبيّ على نحو الاستقلال، بأن يكون لكلٍّ منهما خيار مستقلّ.

وأمَّا إذا جعل الخيار له وللأجنبيّ، بأن يكون هناك خيار واحد متعلِّق بالجامع بينهما، فهنا في هذه الصُّورة إذا سبق أحدهما الآخر بفسخ العقد، أو إمضائه فقد سقط الخيار؛ لأنَّ الفرض أنَّ الخيار واحد، فقد سقط باختيار الفسخ أو الإمضاء، ومعه لا يبقى للمتأخِّر منهما الخيار؛ لسقوطه بإعمال السَّابق الخيار، والله العالم.

***

 

قول الماتن: (وقال ابن حمزة: إنْ رضي الأجنبيّ لزم، وإن لم يرضَ تخيَّر المشتري، ولم يشترط كونه عن المشتري)

 

قال ابن حمزة (رحمه الله) في الوسيلة: (وإن شرطت -أي: مدَّة الخيار- لهما، واجتمعا على فسخ وإمضاء نفذ، وإن لم يجتمعا بطل، وإن شرطت لغيرهما ورضي نفذ البيع، وإن لم يرضَ -أي: بالبيع- كان المُبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء...)[1] .

ولكنَّ هذا الكلام في غير محلِّه أصلاً؛ لأنَّ قضيَّة كلامه أنَّه لابُدّ في المشترك من اجتماعهما واتِّفاقهما على الفسخ أو الإمضاء.

مع أنَّ الأمر ليس كذلك قطعاً، كما عرفت.

وأيضاً جَعْله رأي الأجنبيّ نافذاً في الرِّضا دون الفسخ تحكُّم؛ إذ لا دليل على هذا التَّفصيل.

كما أنَّ تخصيص المشتري بانصراف الخيار إليه -مع أنَّه لم يشترط كون الأجنبيّ له الخيار عن المشتري فقط- دون البائع، في غير محلِّه أيضاً.

 

قول الماتن: (ولو شرط الخيار لأحدهما، أو في إحدى العينَيْن مُبْهما بطل)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا أبهم الخيار في أحد العينَيْن أو أحد المتبايعَيْن بطل العقد فيهما، فلو باعه عبدَيْن، وشرط الخيار في أحدهما لا بعينه، فالبيع باطل؛ لأنَّه خيار مجهول المحلّ وغرر.

ولو شرط الخيار لأحد المتعاقدَيْن لا بعينه ولأحد الرَّجلَيْن لا بعينه بطل البيع والشَّرط.

ولكنَّ الإنصاف -كما عرفت سابقاً-: عدم بطلان البيع والشَّرط؛ لأنَّ الشَّرط، وإن كان غرريّاً، إلَّا أنَّه لا دليل على بطلانه؛ إذ المنهيّ عنه هو بيع الغرريّ لا مطلق الغرر.

ثمَّ لو فرضنا بطلان الشَّرط للغرر، إلَّا أنَّ بطلانه لا يسري إلى المشروط -أي المبيع-، فراجع ما ذكرناه.

 

قول الماتن: (ويصحّ في جميع العقود)

 

أقول: يظهر من أدلَّة خيار الشَّرط دخوله في جميع العقود والإيقاعات، إلَّا ما استُثني؛ لدليل خاصّ، كما سنوضحه -إن شاء الله تعالى-.

وممَّا يدلُّ على دخول خيار الشَّرط في جميع العقود والإيقاعات: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: المسلمون عند شروطهم، إلَّا كلّ شرطٍ خالف كتاب الله عزَّوجلّ فلا يجوز)[2] .

وصحيحة منصور بُزرج عن عبد صالح (عليه السلام) (قال: قلتُ له: إنَّ رجلاً من مواليك تزوَّج امرأةً، ثمَّ طلَّقها فبانت منه -إلى أن قال:- قل له: فَلْيفِ للمرأة بشرطها، فإنَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم)[3]

قال صاحب مفتاح الكرامة (رحمه الله): (هذا الصَّحیح مشهور بین الفقهاء والمحدِّثین فی أبواب الفِقه، وقد رواه الأقدمون من فقهاء أصحاب الأئمَّة (علیهم السلام)، ولا رادّ له، ولا معارض یعتدّ به، بحیث یخصِّصه فی المقام....)[4]

ونحوه قال صاحب الجواهر (رحمه الله).

وبالجملة، فإنَّ هذا الحديث الشَّريف يدلُّ بعمومه على جريان خيار الشَّرط في جميع العقود اللَّازمة والجائزة وجميع الإيقاعات.

وهذا لا كلام فيه، وإنَّما الكلام في الموارد المستثناة، أي: أنَّ هناك جملة من الموارد ذهب الفقهاء إلى عدم جريانه فيها، وموارد أُخرى اختلفوا فيها، ونحن نذكر هذه الموارد تبعاً للمصنِّف (رحمه الله).


[1] الوسيلة: ص238.
[2] الوسائل باب6 من أبواب الخيار ح2.
[3] الوسائل باب20 من أبواب المهور ذيل ح4.
[4] مفتاح الكرامة: ج4، ص568.
logo