46/11/16
/ كتاب الخيارات (18)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (18)/
قول الماتن: (السَّادس: يثبت في الصَّرف، تقابضا أو لا، فإنِ التزما به قبل القبض وجب التَّقابض، فلو هرب أحدهما عصى وانفسخ العقد، ولو هرب قبل الالتزام فلا معصية، ويحتمل قويّاً عدم العصيان مطلقاً؛ لأنَّ للقبض مدخلًا في اللُّزوم، فله تركه)
المعروف بين الأعلام أنَّه يثبت خيار المجلس في بيع الصَّرف بعد التَّقابض في مجلس العقد، بل هو من الواضحات.
وإنَّما الكلام في ثبوته قبل التَّقابض، فعلى مذهب المشهور -وهو الصَّحيح عندنا- أنَّه يعتبر التَّقابض في صحَّة بيع الصَّرف في المجلس قبل التّفرُّق، فقبل التَّقابض لا بيع صحيح، ففي هذه الحالة لا معنى لثبوت الخيار؛ لأنَّ الرِّوايات الدَّالّة على ثبوته، مثل قوله (صلى الله عليه وآله) : (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا)، إنَّما دلَّت على ثبوته في صورة تحقُّق البيع؛ لقوله (صلى الله عليه وآله) (البيِّعان بالخيار...)، وقبل حصول التَّقابض لا بيع صحيح، فلا يصدق عليه البيِّعان بالخيار.
ثمَّ إنَّه يبقى الكلام في أنَّه هل يجب التَّقابض في مجلس العقد وجوب تكليفيّاً أم لا؟
حكي عن العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة أنَّه استدلّ على وجوب التَّقابض في بيع الصَّرف بأنَّه لولا التَّقابض للزم الرِّبا؛ باعتبار أنَّ العوضَيْن إذا كانا من جنس واحد، كما لو كانا من الذَّهب أو كانا من الفضَّة، وحصل القبض من جانب واحد قبل الافتراق فيصير العقد، كعقد النَّسيئة مع المساواة مع الأجل في أحدهما إلى مدَّة، فتكون المعاملة ربويّةً؛ لأنَّ للأجل قسطاً من الثَّمن.
وفيه: أنَّه هنا لم يشترط التَّأخير، فكيف تكون ربويّةً؟!
نعم، هي مشابهة للمعاملة الرَّبويّة، ومجرَّد المشابهة لا يكفي في الحرمة.
وبالجملة، ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) ليس تامّاً.
وقد يستدلّ لوجوب التَّقابض وجوباً مولويّاً: بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، فالوفاء بالعقد يقتضي وجوب التَّقابض.
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ الآية الكريمة في مقام الإرشاد إلى عدم انفساخ البيع بالفسخ، وهي إرشاد إلى الحكم الوضعيّ، وهو اللُّزوم، وليست دالّةً على وجوب الوفاء وجوباً تكليفيّاً.
ثمَّ إنَّه لو فرضنا أنَّها دالَّة على وجوب التَّقابض وجوباً شرعيّاً، وأنَّ العقد صحيح قبل التَّقابض، ففي هذه الحالة يثبت الخيار، وأثره أنَّ له فسخ العقد، وإسقاط وجوب التَّقابض بإعداد موضوعه، ولو هرب في هذه الحالة عصى وانفسخ العقد، بل العصيان ثابت، ولو لم يلتزم؛ لأنَّ الفرض أنَّه يجب التَّقابض.
ولكن الَّذي يهوِّن الخطب في المقام: أنَّه لا يجب التَّقابض وجوباً تكليفيّاً، وأيضاً قبل التَّقابض لا بيع صحيح، فلا معنى حينئذٍ لثبوت الخيار في هذه الحالة.
ولذا أجاد المصنِّف (رحمه الله) حينما قال: (ويحتمل قويّاً عدم العصيان مطلقاً؛ لأنَّ للقبض مدخلاً في اللُّزوم فله تركه)، والله العالم.
قول الماتن: (السَّابع: لو تناديا بالعقد على بُعد مفرط صحّ العقد، ولهما الخيار على الأقوى، وإن تقاربا بالتّنقُّل، ووجه عدم الخيار: أنَّه لا يجمعهما مجلس عرفاً)
إذا تناديا بالبيع من مكان بعيد ثبت الخيار، كما عن المصنِّف (رحمه الله)، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، وكنز الفوائد، وتعليق الإرشاد، وجامع المقاصد، وغيرهم من الأعلام، وهو الصحيح؛ لعموم النَّصّ: (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا).
وإنَّما سمّي هذا الخيار بخيار المجلس من جهة أنَّ الغالب تحقُّقه في حال الجلوس، وإلَّا فلا اختصاص له بالمجلس، بل المناط هو عدم الافتراق عن مكانهما عند البيع، سواء جمعهما مجلس عرفاً أم لا، والله العالم.