« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (16)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (16)/

 

ومنها: ما ذكره الشَّيخ أسد الله التُّستري (رحمه الله) في مقابس الأنوار.

وحاصله: أنَّ الخيار والانعتاق أمران حادثان، فإن كان متعلّقهما أمراً واحداً بلا سبق، ولا تقدّم من أحدهما على الآخر، كما إذا قلنا بتعلُّقهما بالبيع أو بتعلُّقهما معاً بالملكيّة، ففي هذه الحالة يقوى عدم الخيار؛ لأنصيَّة أخبار العتق، وكون القيمة بدل العين، فيمتنع استحقاقها من دون المبدل.

ثمَّ احتمل قريباً الثُّبوت جمعاً بين الحقَّيْن، ودفعاً للمنافاة من البين، وعملاً بالنّصَّيْن، وبالإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضَيْن، وتنزيلاً للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما، وللعتق منزلة تلف العين.

هذا كلُّه إذا كان متعلِّقهما واحداً.

وأمَّا إذا كان متعدِّداً، ويكون أحدهما أسبق من الآخر، كما إذا قلنا: بتعلُّق الخيار بالبيع، وتعلُّق الانعتاق بالملكيَّة أو كان بالعكس، بأن كان العتق متعلِّقاً بالبيع والخيار بالملكيَّة.

وعليه، فإذا كان الأمر كذلك فلا محالة يكون أحدهما أسبق من الآخر؛ لأنَّ الملكيَّة متأخِّرة عن البيع بحسب الرُّتبة ممَّا يتعلَّق بها متأخِّر عمَّا يتعلَّق بالبيع، فإذا كان المتعلَّق بالبيع هو الخيار، فنلتزم بالخيار في المقام لسبقه على الانعتاق، ولو كان الانعتاق متعلِّقاً بالبيع فلابُدّ من الالتزام به، ورفع اليد عن الخيار لسبق العتق عليه.

ثمَّ قال: (وحيث كان المختار في الملك أنَّه بمجرَّد العقد في العتق أنَّه بعد الملك، ودلَّ ظاهر الأخبار، وكلام الأصحاب على أنَّ أحكام العقود والإيقاعات تتبعها بمجرَّد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرقٍ بين الخيار وغيره، بل قد صرَّحوا هنا بأنَّ الخيار يثبت بعد العقد، وأنَّه علَّة له، والمعلول لا يتخلَّف عن علَّته، كما أنَّ الانعتاق لا يتخلَّف عن الملك، فالأقرب هو الأخير، كما هو ظاهر لفّ والتَّحرير، ومال اليه الشَّهيد إن لم يثبت الإجماع على خلافه، ويؤيده إطلاق الأكثر، ودعوى ابن زهرة في الغنية الإجماع على ثبوته في جميع ضروب البيع من غير استثناء)[1] ، انتهى كلامه رفع مقامه.

والإنصاف: أنَّ ما ذكره من التَّفصيل ليس تامّاً؛ لأنَّ تقدُّم العقد، وما يتعلَّق به من الخيار على الملك، وما يترتَّب عليه من الانعتاق هو تقدُّم رتبيّ لا زمانيّ، ولا ثمرة بحسب الشرَّع على التّقدُّم الرُّتبيّ، بل المناط في التّقدُّم والتّأخُّر في الأحكام الشَّرعيّة على التّقدُّم والتّأخُّر الزَّمانيّ.

وعليه، فإذا كان البيع والملك متقارنين بحسب الزَّمان، وكان المباع ممَّنْ ينعتق على المشتري، فلا محالة يكون العتق والخيار متقارنَيْن بحسب الزَّمان، فلابدّ من الأخذ بأحدهما إذا كان بينهما تنافٍ، وإلَّا فيؤخذ بكليهما من دون فرقٍ بين ما إذا قلنا: بأنَّ الخيار مترتِّب على البيع، والانعتاق على الملك، أو بالعكس؛ وذلك لما عرفت أنَّ التّقدُّم الرُّتبيّ لا أثر له في الأحكام الشَّرعيّة.

والإنصاف أيضاً: أنَّ الرِّوايات الدَّالّة على أنَّ من اشترى أباه مثلاً ينعتق عليه معارَضة بالرِّوايات الدَّالّة على خيار المجلس، وبينهما عموم وخصوص من وجه، والتَّرجيح للأوَّل، أي للرِّوايات الدَّالّة على أنَّ من اشترى أباه ينعتق عليه.

وذلك لوجوه:

الأوَّل: أنَّ العتق يترجّح عندهم بأدنى مرجِّح، ويغلب غيره، خياراً كان أو غيره.

الثَّاني: أدلَّته أنصّ على هذا المورد من أدلَّة الخيار.

الثَّالث: ما فهمه الأردبيليّ (رحمه الله) من التَّذكرة من عدم الخلاف فيه، فيترجّح حينئذٍ على أدلَّة الخيار، والله العالم.

 

قول الماتن: (الثَّاني: لو اشترى العبد نفسه فكالأوَّل عنده إن قلنا: بجوازه، كالكتابة)

 

لو اشترى العبد نفسه بناءً على جوازه -كالكتابة- فكالانعتاق عند الفاضل.

والكلام فيه هو الكلام فيما سبق.

 

قول الماتن: (الثَّالث: لو باع أو اشترى من ولده الصَّغير،‌ فالأقرب: ثبوت الخيار؛ للعموم، وهو في قوَّة اثنَيْن، ولو التزم به من جانب الطِّفل، أو من جانبه، فالطَّرف الآخر باقٍ)

 

تقدَّم الكلام فيه سابقاً عند قوله: (والعاقد عن اثنَيْن...)، فراجع.

 


[1] المقابس: ص240.
logo