« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (11)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (11)/

 

قول الماتن: (ولو قال له: اِختر الإمضاء، فقال: اخترته، بطل خيارهما، وإن اختار الفسخ انفسخ)

 

لو قال له: اِختر الإمضاء، فاختار الفسخ، فالمعروف بين الأعلام أنَّه ينفسخ العقد، بل لا خلاف فيه بينهم، وإنَّما الكلام فيما لو اختار الإمضاء، فهل يسقط خيار الآمر أيضاً؟

ذهب كثير من الأعلام إلى أنَّه يسقط مطلقاً، منهم المصنِّف (رحمه الله)، بل عن الخلاف الإجماع عليه.

وقيل: يسقط إذا ملّك خياره للمخاطب، وإلَّا فهو باقٍ مطلقاً، كما هو ظاهر العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة.

ولا يخفى أنَّ تفويض الأمر إلى المخاطب وتوكيله من قِبله في إسقاط الخيار أو الفسخ حكمه حكم فيما لو ملَّك الخيار للمخاطب.

والإنصاف: أنَّه لا دليل على سقوط خيار الآمر إلَّا إذا قامت قرينة على ذلك.

وأمَّا الاستدلال للسُّقوط بالنَّبويّ الَّذي رواه ابن أبي جمهور الإحسائيّ (رحمه الله) في درر اللّآلي عن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اِختر[1] .

حيث دلّ على أنَّه إذا قال له: اِختر، فيسقط الخيار، كما لو افترقا.

ففيه: أنَّ هذه الزِّيادة لم تثبت؛ لأنَّ الرِّواية الَّتي رواها ابن أبي جمهور (رحمه الله) ضعيفة جدّاً، بل عرفت أنَّها لم ترد في أصولنا مع هذه الزِّيادة.

 

قول الماتن: (وإن سكت فخياره باقٍ، وخيار القائل على الأقوى؛ لعموم الخبر، وقد ثبت لأحدهما الخيار؛ لأنَّ المفهوم ضعيف)

 

لو قال له: اِختر الإمضاء، فسكت، فالمعروف بينهم بقاء خيار السَّاكت، بل هو متَّفق عليه.

مضافاً لإطلاق أدلَّة الخيار، والسُّكوت أعمّ من الرِّضا.

وإنَّما الكلام في بقاء خيار الآخر أو سقوطه.

والمعروف بينهم بقاء خياره؛ لأنَّ أمره بالخيار لخصوص المأمور لا يدلُّ على إسقاط خيار نفسه بإحدى الدَّلالات.

وأمَّا احتمال سقوط خياره للنَّبويّ المتقدِّم (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اِختر، فقد عرفت حاله، فلا حاجة للإعادة.

مع أنَّ مقتضى الحديث سقوط خيارهما معاً، وقد عرفت أنَّه اتَّفق الأعلام على بقاء خيار السَّاكت.

 

قول الماتن: (ولو قال له: اِختر الفسخ فالحكم ما تقدَّم)

 

لو قال له: اِختر الفسخ، فذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ الحكم كما تقدَّم، من حيث اختيار الفسخ أو الإمضاء أو السُّكوت.

وقد ذكر هناك أنَّ اختيار الإمضاء يوجب سقوط خيار الآخر.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ خيار الآمر باقٍ، وإنِ اختار المخاطب الإمضاء؛ إذ لا دليل على سقوط خيار الآمر.

 

قول الماتن: (وبقاء خيار القائل هنا بسكوت المخاطب أولى)

 

قد عرفت أنَّه لو قال له: اِختر الإمضاء، فسكت المخاطب، فإنَّ خيار القائل يبقى مثل خيار السَّاكت، وكذا هنا لو قال له: اِختر الفسخ فسكت، فإنَّ خيار السَّاكت باقٍ، وكذا خيار القائل.

وما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من أولويَّة بقاء خيار القائل هنا على بقائه هناك ليس تامّاً، بل لا فرق بينهما من هذه الجهة.

 

قول الماتن: (ولو قال: اِختر، فالحكم كذلك)

 

لو قال له: اِختر، ولم يذكر المتعلّق، فالحكم كما لو ذكر المتعلّق، وقد عرفت ما هو الإنصاف.

 

قول الماتن: (ولو تصرَّف المشتري سقط خياره وحده)

 

وقع الكلام بين الأعلام في أنَّ تصرُّف المشتري في المبيع يسقط خياره، وبالتَّالي يكون ملتزماً بالبيع، أم أنَّ تصرُّفه لا يكون مُسِقطاً له.

يظهر من الغنية والمبسوط وابني سعيد وإدريس (رحمهم الله) عدم سقوطه بالتّصرُّف، وكذا غيرهم.

ولكنَّ عن جماعة من المتأخِّرين، كالمصنِّف هنا (رحمه الله)، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، وكذا غيرهم، سقوط خيار المشتري بالتّصرُّف بالمبيع.

وقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّ التّصرُّف إن كان من البائع في المبيع فهو فسخ منه للعقد فيبطل البيع، ويبطل خيارهما، وإن كان من المشتري في المبيع فهو التزام بالبيع، ويبطل خياره، ويبقى خيار البائع، وإن كان التّصرُّف في الثَّمن.

فالظَّاهر أنَّ الأمر بالعكس -أي تصرُّف المشتري فيه فسخ منه للعقد، فيبطل البيع، ويبطل خيارهما، وأنَّ تصرُّف البائع بالثَّمن، فهو التزام منه بالبيع، ويبطل خياره، ويبقى خيار المشتري- ولو كان التّصرُّف من المشتري في المبيع، ومن البائع في الثَّمن، فهو التزام بصحَّة، وبالعكس التزام ببطلانه.

أقول: لا دليل على كون التّصرُّف مُسِقطاً لخيار المجلس.

نعم، ورد في خيار الحيوان -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- رواية معتبرة دلَّت على أنَّه إذا أحدث المشتري فيما اشتراه حدثاً قبل الثَّلاثة أيام فذلك رضاً منه فلا شرط، أي لا خيار، وهي صحيحة عليِّ بن رئاب المتقدِّمة(1)، فإنَّ التَّعليل بالرِّضا يدلّ على سقوطه، سواء أكان ذلك في خيار الحيوان أم غيره، كخيار المجلس، ونحوه.

وبالجملة، فإنَّ قوله (عليه السلام) (فذلك رضاً منه® تعليل لسقوط الخيار، ويستفاد من عموم التَّعليل أنَّ سقوط الخيار معلول للرِّضا بالمعاملة، سواء أكان ذلك في خيار الحيوان أم غيره.

ولكن يرد على هذا الاستدلال: أنَّ المستفاد من الصَّحيحة هو أنَّ التّصرُّف الكاشف عن الرِّضا يوجب سقوط الخيار، فإذا عمل عملاً بقصد إسقاط خياره ورضاه بالبيع، فيكون ذلك منه إسقاطاً للخيار بمقتضى التَّعليل الوارد في الصَّحيحة، سواء أكان ذلك في خيار الحيوان أم غيره.

وأمَّا إذا فرضنا أنَّه تصرَّف فيه من دون قصد إسقاط الخيار، كما لو تصرَّف فيه غافلاً عن إسقاط الخيار أو سهواً، ونحو ذلك، أو احتملنا ذلك، فلا يكون هذا التّصرُّف مسقطاً للخيار؛ لأعميَّة التّصرُّف من الفسخ وغيره.

وبالجملة، فلا دليل على أنَّ هذا التّصرُّف مسقط للخيار؛ إذِ المفروض أنَّه كاشف عن الرِّضا.

وعليه، فأصالة بقاء صحَّة المعاملة والخيار فيهما على ما هو عليه


[1] المستدرك باب2 من أبواب الخيار ح3.
logo