« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (10)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (10)/

 

قول الماتن: (والعاقد عن اثنَيْن له الخيار، ويبطل به خيار المتعاقدَيْن)

 

العاقد عن اثنَيْن يشمل ما لو كان العاقد وليّاً شرعيّاً، كالأب والجدّ، ببيع ماله من ولده أو بالعكس، أو مال ولدَيْه أحدهما على الآخر، ويشمل ما لو كان وكيلاً عن المتبايعَيْن.

وبالجملة، فالعاقد شخص واحد، وهو بائع ومشتري.

إذا عرفت ذلك، فهناك ثلاثة أقوالٍ في المسألة:

الأوَّل: ثبوت الخيار ما لم يشترط سقوطه، أو يلتزمه عنهما، أو يفارق المجلس الَّذي عقد فيه على قول، وهو ظاهر المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والعلَّامة (رحمه الله) في القواعد.

الثَّاني: ثبوته دائماً ما لم يلتزمه، أو يشترط سقوطه، ونقل عن العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، كما أنَّه ظاهر المصنِّف (رحمه الله) هنا.

الثَّالث: عدم ثبوت الخيار أصلاً، واختاره بعض متأخِّري المتأخِّرين، واستقربه صاحب الحدائق (رحمه الله).

وتوقَّف في المسألة المحقِّق الكركيّ (رحمه الله)، حيث قال: (وأنا في المسألة من المتوقِّفين)[1]

ثمَّ إنَّه قدِ استدلّ على ثبوت الخيار ببعض الأدلَّة:

منها: الإجماع في الغنية، حيث ادَّعى الإجماع على دخول خيار المجلس كلِّ بيع.

وفيه: ما لا يخفى، فإنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجةٍ، وليست المسألة ممَّا تسالم عليها الأعلام حتَّى يُكتفى بذلك.

ومنها: إطلاقات أدلَّة خيار المجلس (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا)، فإنَّ ظاهر الرِّوايات، وإن كان هو التّعدُّد، إلَّا أنَّ ذلك إنَّما هو من باب وروده مورد الغالب.

وعليه، فالظَّاهر من تعليق الخيار بالبيِّعَيْن في قوله (عليه السلام) (البيِّعان) هو ثبوته لهما من حيث هما بيِّعان، ومرجعه إلى ثبوته للبائع من حيث هو بائع وللمشتري من حيث هو مشتر، والعاقد الواحد بائع ومشترٍ، فيثبت له الخيار بالاعتبارَيْن، فلا فرق حينئذٍ بين المتعدِّد والمتَّحدّ.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم ثبوت الخيار أصلاً، فقدِ استدلّ بأمرَيْن:

أحدهما: أنَّ الرِّوايات المتقدِّمة الدَّالّة على خيار المجلس اشتملت على كلمة البيِّعان، ومن المعلوم أنَّها تثنية، وهي لا تصدق على الواحد، فلا يقال للبائع: البيِّعان؛ لأنَّه مفرد.

وعليه، فلا تشمل الرِّوايات المتقدِّمة صورة اتِّحاد البائع والمشتري.

والجواب: هو ما أشرنا إليه سابقاً، وهو أنَّ تعليق الخيار على البيِّعَيْن في قوله (عليه السلام): (البيِّعان بالخيار...)، هو ثبوته لهما من حيث هما بيِّعان، ومرجعه إلى ثبوته للبائع من حيث هو بائع، وللمشتري من حيث مشترٍ، والعاقد الواحد بائع ومشترٍ، فيثبت له الخيار بالاعتبارَيْن.

وعليه، فلا فرق حينئذٍ بين المتعدِّد والمتَّحد.

ثانيهما: أنَّ الرِّوايات المتقدِّمة قدِ اشتملت على قوله (عليه السلام): (ما لم يفترقا)، أو (حتَّى يفترقا)، وهو غاية:

إمَّا غاية للحكم بالخيار، أي أنَّ الخيار ثابت قبل الافتراق، فإذا حصل الافتراق فينتفي.

وإمَّا أنَّه غاية للموضوع، أي أنَّ الخيار ثابت للبيِّعَيْن المقيّدَيْن بعدم الافتراق، فإذا افترقا انتفى الخيار.

وعليه، فيفهم من ذلك عدم ثبوت الخيار في مورد عدم إمكان الافتراق؛ إذ لا معنى لتقييد الحكم الشَّرعيّ أو الموضوع بغاية غير ممكنةٍ.

والجواب عنه: تارةً: بالنَّقض، وأُخرى: بالحل.

أمَّا النَّقض، فهو ما ذكره السّيِّد اليزديّ (رحمه الله) في حاشيته على المكاسب من أنَّه (لو فرضنا شخصَيْن متلاصقَيْن لا يمكن افتراقهما إلَّا بالموت؛ لاتِّصال أحدهما بالآخر في بعض أجزائهما، وافتراقهما في الأجزاء الرئيسيَّة، كالقلب ونحوه، بحيث كانا شخصَيْن متعدِّدَيْن، فلو باع أحدهما واشترى الآخر، ففي مثل ذلك لا إشكال في ثبوت خيار المجلس لهما ، مع أنَّ الافتراق فيهما مستحيل.

وعليه، فلا يمكن إنكار ثبوت الخيار بمجرَّد استحالة الافتراق.

وكذا لو فرضنا رجلَيْن حبسهما ظالم، بحيث لا يتمكّنان من الخروج عن مكانهما إلَّا بالموت، فإذا باع أحدهما، واشترى الآخر، فيثبت لهما الخيار، ولا يمكن نفيه عنهما مع أنَّ الافتراق غير ممكنٍ) انتهى كلامه رفع مقامه.

وأمَّا الجواب الحليّ: فهو أنَّ الغاية إذا كانت غير ممكنةٍ، وإن كان لا يمكن أخذها في الحكم، إلَّا أنَّ جعل شيءٍ جامع بين الإمكان والاستحالة غاية للحكم ممَّا لا ينبغي الإشكال في صحَّته، كما إذا جعل الغاية للحكم شيئاً يستحيل في بعض الموارد، ويمكن في بعضها الآخر.

نظير ما ورد في الرِّوايات من (أنَّ ما لاقاه البول نجس حتَّى تغسله)، حيث أخذ الغسل غاية للنَّجاسة فيما لاقاه البول.

ومقتضاها: أنَّ كلّ ما لاقاه البول فهو نجس، وترتفع النَّجاسة بالغسل، وهو أمر ممكن بالذَّات، وإن كان مستحيلاً في بعض الموارد، كما إذا تنجّس السُّكّر مثلاً بالبول، فإنَّه لا يمكن تطهيره لتلف عينه بالغسل -إذ لا بقاء له-.

ومع هذا لا يكشف عن أنَّ ملاقاة البول فيه لا يوجب النَّجاسة؛ لاستحالة حصول الغاية فيه -إذ لا يمكن تطهيره مع بقاء عينه-، بل هو نجس ويبقى على نجاسته؛ لعدم إمكان حصول الغاية فيه.

ومقامنا من هذا القبيل، فإنَّ استحالة التّفرُّق في الفاقد الواحد لا تكشف عن عدم ثبوت الخيار في حقِّه.

والخلاصة: أنَّنا نلتزم في المقام بثبوت الخيار، وعدم سقوطه إلَّا بغير الافتراق من المسقطات، فيكون القول الثَّاني، والذي هو ظاهر المصنِّف (رحمه الله)، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة هو الأقوى، والله العالم.

 


[1] جامع المقاصد: ج4، ص287.
logo