46/10/24
/ كتاب الخيارات (9)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (9)/
قال الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله): (فالأقوى: أنَّ الشَّرط الغير المذكور في متن العقد غير مؤثّرٍ؛ لأنَّه لا يلزم بنفس اشتراطه السَّابق لأنَّ المتحقِّق في السَّابق إمَّا وعد بالتزام أو التزام تبرعيّ لا يجب الوفاء به، والعقد اللَّاحق وإن دفع مبنيّاً عليه لا يلزمه لأنَّه إلزام مستقلّ لا يرتبط بالتزام العقد إلَّا بجعل المتكلِّم، وإلَّا فهو بنفسه ليس من متعلِّقات الكلام العقديّ، مثل العوضَيْن وقيودهما حتَّى يقدر شرطاً منويّاً...)[1] .
ومثله ما عن الميرزا النَّائينيّ (رحمه الله) من أنَّ القصود والدَّواعي غير معتبرةٍ في العقود ما لم ينشأ لفظ على طبقها، فمجرَّد وقوع العقد مبنيّاً عليه مع عدم ذكره في ضمن العقد لا يؤثِّر.
والإنصاف: أنَّه لا دليل على أنَّ مجرَّد الالتزام في النَّفس لا يكفي في تحقُّق الشَّرط بل الالتزام النَّفسيّ كافٍ في ذلك، وإن لم ينشئه بلفظ.
وعليه، فيكون مشمولاً لعموم المسلمون عند شروطهم.
والخلاصة: أنَّ الشُّروط يكفي فيها مجرَّد القصد والالتزام، ولا دليل على لزوم إنشائها باللَّفظ، ونحوه، فإذا أجريا العقد مبنيّاً على الشَّرط المذكور قبل العقد، فيكفي ذلك.
وهذا بخلاف العقود والإيقاعات، فإنَّه لا يكفي فيها مجرَّد الالتزام النَّفسانيّ بالبيع أو الإجارة أو النِّكاح، وغيرها من العقود أو الطَّلاق، أو العتق والإبراء، أو النَّذر، وغيرها من الإيقاعات، بل لابُدّ من لفظ يدلّ عليها.
وعليه، فإذا التزم في نفسه بالبيع والإجارة ونحوها، ثمَّ أبرزه بقوله: بعت أو آجرت، ونحو ذلك، فيتحقَّق العقد.
وكذا لو نوى العتق وقصده، ثمَّ قال: أنت حرّ أو قصد النَّذر، ثمَّ قال: لله عليَّ أن أفعل كذا، ونحوه، فيحصل الإيقاع.
وبالجملة، فإنَّ ما ذكره الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله)، وكذا الميرزا (رحمه الله)، ليس تامّاً، والله العالم.
قول الماتن: (وبإيجابهما العقد، وإيجاب أحدهما، ورضى الآخر، وبقولهما: أسقطنا خيار المجلس، أو الخيار)
المعروف بين الأعلام ، بل هو متَّفق عليه، هو أنَّ الخيار يسقط بإيجابهما العقد بعد وقوعه، أو إيجاب أحدهما ورضا الآخر، وهو المُسمّى بالتَّخاير.
وصورته: أن يقولا: اخترنا العقد أو ألزمناه أو أسقطنا الخيار أو أسقطنا خيار المجلس، أو نحو ذلك من الألفاظ الدَّالّة على اختيار لزوم العقد والرِّضا به.
وبالجملة، فإنَّ كلّ ما دلَّ على الرِّضا فهو كافٍ.
ولذا لزم بالإيجاب من أحدهما مع رضا الآخر.
وقدِ استدلّ على سقوطه بالإسقاط بعد العقد ببعض الأدلَّة:
منها: التَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، ولم يخالف في ذلك متّفقه، فضلاً عن فقيه.
ومنها: فحوى ما دلّ على سقوط الخيار بالتّصرُّف معلّلاً بأنَّه رضا بالبيع، كما في صحيحة عليِّ بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشَّرط في الحيوان ثلاثة أيامٍ للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثَّلاثة الأيام فذلك رضاً منه، فلا شرط...[2] .
وهي دالَّة على أنَّ الخيار من الحقوق، وأنَّه يسقط بالرِّضا بسقوطه.
وعليه، فيفهم منها أنَّ كلّ ما دلّ على الرِّضا بالسُّقوط فهو كافٍ، سواء أكان ذلك في خيار الحيوان أم غيره، كخيار المجلس، ونحوه.
ومثلها ما ورد في صحيحة فضل -أي الفضيل بن يسار- المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- (قال: قلتُ له: ما الشَّرط في غير الحيوان؟ قال: البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرِّضا منهما)[3] .
حيث يفهم منها أنَّ كلّ ما دلّ على الرِّضا بالسُّقوط فهو كافٍ.
ومن جملة الأدلَّة الأولويَّة المستفادة من الحديث النَّبويّ (صلى الله عليه وآله) (النَّاس مسلَّطون على أموالهم)[4] ، باعتبار أنَّ علقة الحقّ أضعف من علقة المال، فإذا كان الإنسان مسلَّطاً على أمواله فهو مسلَّط على حقوقه بالأولويَّة.
وقد أورد عليه: بأنَّه نبويّ ضعيف، بل لم يرد من طرقنا أصلاً.
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ الحديث قد تسالم الكلّ على العمل به، حتَّى مَنْ أنكره باللِّسان التزم به عملاً.
نعم، الَّذي يرد في المقام: هو أنَّه لسنا بحاجة للاستدلال به؛ لما عرفت من فحوى الرِّوايتَيْن المتقدِّمتَيْن، وغيرهما أيضاً من أنَّ الخيار من الحقوق، وكلُّ حقٍّ يقبل الإسقاط فهو بيد المكلَّف، وهذا بخلاف الحكم فإنَّه ليس بيده، بل هو بيد المولى سبحانه وتعالى.
وعليه، فلسنا بحاجة للاستدلال على تسلُّطه على حقوقه بالحديث المتقدِّم.