« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (5)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (5)/

 

قول الماتن: (وأنواعه تسعة)

ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ أقسام الخيار تسعة، وعن بعضهم أنَّها خمسة، وعن النَّافع أنَّها سبعة، وعن بعضهم أنَّها ثمانية، وعن اللُّمعة: (أنَّها أربعة عشر)[1] .

ولا يخفى أنَّ هذا ليس خلافاً، وإنَّما هو مجرّد جمع، واستقصاء.

 

قول الماتن: (أحدها: خيار المجلس)

 

المراد به مطلق مكان المتبايعَيْن حين البيع.

قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: (إضافة هذا الخيار إلى المجلس إضافةً إلى بعض أمكنته، فإنَّ المجلس موضع الجلوس، وليس بمعتبر في تحقُّق هذا الخيار، بل المعتبر فيه مكان العقد مطلقاً، أو ما في معناه، والأصل فيه قول النَّبيّ (صلى اللّٰه عليه وآله وسلّم): «البيَّعان بالخيار ما لم يفترقا»، وهو أوضح دلالة من عبارة الفقهاء...)[2]

ولعلَّه مراده من قوله: (أو في معناه)، هو كونهما في موضع العقد مصطحبَيْن، بحيث لم يفارق أحدهما الآخر زيادةً على ما كانا عليه وقت العقد، فإنَّ الخيار باقٍ لهما.

وذكر صاحب الحدائق (رحمه الله): (أنَّ التَّسمية خرجت بناءً على ما هو الغالب من وقوع ذلك حال الجلوس، والاستقرار في مكان، وباب التّجوُّز في مثله واسع)[3] .

أقول: الأمر في ذلك سهل بعد وضوح المراد منه عرفاً.

***

 

قول الماتن: (لقوله (صلى الله عليه وآله): (البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا)

 

أقول: لا إشكال في ثبوت خيار المجلس، فإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد البيع، وكان لكلٍّ من المتبايعَيْن خيار الفسخ ما داما في المجلس.

وفي الجواهر: (إجماعا منَّا بقسمَيْه، ونصوصاً مستفيضةً أو متواترةً...)[4] .

أقول: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار على ثبوت خيار المجلس، ولم ينسب الخلاف إلى أحد من المتفقِّهين فضلاً عن الفقهاء، بل ذهب إلى ذلك كثير من العامَّة.

نعم، المعروف عن أبي حنيفة أنَّه خالف في ذلك، وذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّه (أقدم فيها على خلاف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله) على علم منه، ولذا عُدَّت في مطاعنه...)[5]

أقول: بل نُسب إليه أنَّه قال: (لم يثبت عندي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلَّا ثمانية أحاديث)، ونقل عنه أيضاً أنَّه ردّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أربعمائة حديث، منها حديث (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا)، نقله عن الزَّمخشريّ في كتاب ربيع الأبرار[6] ، مع أنَّه حنفيّ المذهب.

ومهما يكن من شيءٍ، فإنَّه يدلّ على ثبوته -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام- الرِّوايات الكثيرة الَّتي لا يبعد تواترها:

منها: صحيحة مُحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): البيِّعان بالخيار حتَّى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيامٍ))[7] .

ومنها: حسنة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): البيِّعان بالخيار حتَّى يفترقا ...)[8] .

ومنها: صحيحة فضيل -أي ابن يسار- عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حيث- (قال: قلتُ له: ما الشَّرط في غير الحيوان؟ قال: البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرِّضا منهما)[9] .

ومنها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال: أيّما رجلٍ اشترى من رجلٍ بيعا فهما بالخيار حتَّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع...)[10] .

ومنها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): إذا التَّاجران صدَّقا بورك لهما، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما، وهما بالخيار ما لم يفترقا، فإنِ اختلفا فالقول قول ربّ السَّلعة أو يتتاركا)[11] .

وعمر بن يزيد هو بيَّاع السَّابريّ الثِّقة، كما أنَّ ابنه حسين ثقة.

إلى غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة.

 

قول الماتن: (إلَّا بيع الخيار -أي خيار الشَّرط- فإنَّه باقٍ وإن تفرَّقا)

 

إذا جعل لأحدهما الخيار أو لكليهما فإنَّه يبقى الخيار وإن تفرَّقا، كما لا يخفى.

ويشترط في خيار الشَّرط ضبطه بما لا يحتمل التَّفاوت.

وسيأتي الكلام عنه بالتَّفصيل -إن شاء الله تعالى- عند الكلام عن القسم الثَّاني من الخيار، وهو خيار الشَّرط.

***

 

قول الماتن: (أو بيع شرط فيه تعجيل ثمرة الخيار، وهو التَّطابق على الالتزام في العقد)

 

إذا باع وشرط فيه تعجيل ثمرة الخيار، أي أنَّه في الواقع أسقط الخيار واتّفقا على الالتزام في العقد، أي أصبح لازماً ففي هذه الحالة يلزم العقد وإن لم يتفرّقا، ولا يحق لأحدهما الفسخ من دون رضا الآخر.

***

 

قول الماتن: (وما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا صفَّق الرَّجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا) مؤوَّل بما ذُكِر، أو بأنَّ الوجوب بمعنى سببيَّة الملك)

 

قد عرفت ثبوت خيار المجلس بالرِّوايات المتقدِّمة.

وأمَّا ما ورد في موثَّقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) (قال: قال عليّ (عليه‌السلام): إذا صفق الرَّجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا)[12] .

فمؤوَّلة بما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من اشتراط السُّقوط، أو على إرادة حصول الملك، كما حملها في التَّهذيب، حيث قال -بعد ذكره للرِّواية-: (أنَّ الَّذي يقتضيه هذا الخبر أنَّ الصَّفقة على البيع من غير افتراقٍ موجبٌ للبيع، ومعنى ذلك: أنَّه سبب لاستباحة الملك، إلَّا أنَّه مشروط بأن يفترقا بالأبدان، ولا يفسخا العقد ما داما في المكان -إلى أن قال:- وقوله في الخبر: «وان لم يفترقا»: يحتمل أن يكون المراد به: إن لم يفترقا تفرقا بعيداً أو تفرقا مخصوصاً؛ لأنَّ القدر الموجب للبيع شيٌ يسير ولو مقدار خطوةٍ فإنه يجب به البيع...)[13] .

قال صاحب الجواهر (رحمه الله): (والأجود حمله على التقية من أبي حنيفة وأتباعه في هذه الفتوى...)[14] .

ولكن قد يُقال: إنَّ الرِّواية هي عن الأمير (عليه السلام)، والتَّقيّة إنَّما هي في عصر الصَّادقَيْن (عليهما السلام).

اللَّهمّ إلَّا أن يُقال: إنَّ الحاكي للرِّواية هو الإمام الصَّادق (عليه السلام)، فتكون التَّقيّة في مقام الحكاية، والله العالم.

وعليه، فإذا أمكن حمل هذه الموثَّقة على بعض هذه الوجوه المتقدِّمة فيها، وإلَّا فتكون مخالفة للسُّنّة القطعيَّة؛ لما عرفت من تواتر الرِّوايات الدَّالّة على ثبوت خيار المجلس.


[1] اللُّمعة الدِّمشقيّة -ط دار الفكر-: ص108.
[2] المسالك: ج3، ص194.
[3] الحدائق: ج19، ص4.
[4] الجواهر: ج23، ص4.
[5] الجواهر: ج23، ص4.
[6] ربيع الأبرار -ط الأعلمي-: ج4، ص20.
[7] الوسائل باب1 من أبواب الخيار ح1.
[8] الوسائل باب1 من أبواب الخير ح2.
[9] الوسائل باب1 من أبواب الخيار ح3.
[10] الوسائل باب1 من أبواب الخيار ح4.
[11] الوسائل باب1 من أبواب الخيار ح6.
[12] الوسائل باب1 من أبواب الخيار ح7.
[13] التَّهذيب: ج7، ص21.
[14] الجواهر: ج23، ص4.
logo