« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/08/27

بسم الله الرحمن الرحيم

بيع السَّلف (36)/ كتاب البيع (349) /المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب البيع (349) / بيع السَّلف (36)

 

قول الماتن: (ولو قال البائع: قبضته، ثمَّ رددته إليك قبل التّفرُّق، فأنكر المسلم، حلف البائع)

 

ذهب المشهور من الأعلام إلى أنَّه لو قال البائع: قبضته ثمَّ رددتُه إليك قبل التّفرُّق، وأنكر المشتري ذلك، بمعنى عدم القبض أصلاً فضلاً عن الرَّدّ، كان القول قول البائع مع يمينه؛ لأصالة الصِّحّة، ومنهم المصنِّف (رحمه الله) هنا، والشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والعلَّامة (رحمه الله) في جملة من كتبه.

ولكن يشكل عليهم: أنَّ أصالة الصِّحّة إنَّما تجري إذا ثبت الموضوع ذو الوجهَيْن، ويقع الشَّكّ في صحَّته، والمفروض هنا عدمه؛ لأصالة عدم القبض، فلم يتَّفقا على موضوع حتَّى يقع الشَّكّ في صحّته.

وفي الواقع هذه المسألة ترجع إلى المسألة السَّابقة في الأمر الثَّاني، وقلنا فيها: إنَّ القول قول منكر القبض أصلاً.

ثمَّ إنَّه لو فرضنا أنَّ المشتري اعترف بقبض البائع، ولكنَّه أنكر الرَّدّ، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنَّ الأصل عدم الرَّدّ، وكان البائع محتاجاً إلى البيّنة، فمع عدمها حلف المشتري على عدم الرَّدّ.

* * *

 

قول الماتن: (ولو أسلم أحد الغريمَيْن، أو هما، فالسَّلم بحاله، إلَّا أن يكون المسلم فيه خمراً أو خنزيراً، ولم يقبضا، فيبطل)

 

المعروف بين الأعلام أنه لو أسلم نصرانيٌّ إلى نصرانيٍّ، أو هما، فالسَّلم بحاله؛ لصحّة العقد، ولا مانع من تأثيره.

نعم، لو أسلم نصرانيٌّ إلى نصرانيٍّ في خمر أو خنزير، فأسلم أحدهما أو هما قبل القبض، بطل.

هذا، هو المعروف بين الأعلام، ومنهم المصنِّف (رحمه الله)؛ لأنَّه بإسلام أحدهما، أو كلّ منهما، تعذَّر المسلم فيه، وخرج عن صلاحيَّة تعلُّق المعاوضة به في نظر الشَّارع المقدَّس، فامتنع بقاء صحَّتها، حيث لم يحصل القبض قبل ذلك.

وهناك احتمال ضعيف، وهو صحَّة المعاوضة مع سقوط المسلم فيه، لا إلى بدل؛ لأنَّه بالسَّلم ملك المشتري الخمر أو الخنزير في ذمَّة البائع، والإسلام يُسقِط الخمر أو الخنزير من ذمَّة الَّذي أسلم، وهو البائع، ويخرجه عن ملكه.

هذا لو كان المسلم هو المسلم إليه.

وأمَّا لو كان المسلم هو المشتري، فوجَّه ذلك: أنَّه هو الَّذي فوَّت على نفسه ماليَّة الخمر بإسلامه، وقدِ انعقد السَّلم صحيحاً، فلا شيء له حينئذٍ.

ووجه ضعف هذا الاحتمال: أنَّه لا دليل على بقاء المعاوضة، وقدِ امتنع حصول أخذ عوضها.

وهناك احتمال آخر ضعيف أيضاً، وهو أنَّه يصحّ السَّلم، ويضمن القيمة عند مستحلّيه؛ لأنَّ إسلام المسلم إليه بمنزلة الإتلاف للخمر أو الخنزير على الكافر المسلف، فيضمن القيمة عند مستحلّيه.

ووجه ضعفه: أنَّه لم يتلف شيئاً، ولا تسبَّب في الإتلاف، وإنَّما إسلام المسلم سبب لامتناع التّصرُّف في الخمر أو الخنزير، وذلك لا يُعدّ إتلافاً، والله العالم.

* * *

 

قول الماتن: (ولو أسلم عَرْضاً في عَرْض، ثمَّ جاء بالثَّمن، وهو على الصِّفات وجب القبول، ولو كانت أمةً فلا عُقْر عليه بوطئها)

العَرْض: بفتح العين المهملة، وإسكان الرَّاء.

والمعروف بين الأعلام أنَّه لو أسلم عَرْضاً في عَرْض، ثمَّ جاء بالثَّمن، وهو على صفات المبيع، ثمَّ دفع الثَّمن الَّذي على صار على صفات المبيع بعنوان أنَّه المبيع وجب القبول.

كما لو كان الثَّمن جاريةً صغيرةً، والمثمن جاريةً كبيرةً، فجاء الأجل، وهي -أي الجارية التي كانت صغيرة، والتي كانت ثمناً- على صفة المثمن وجب القبول، وإن كان البائع قد وطأها، ولا عُقر عليه؛ لأنَّه وطأ في ملك.

وذهب بعض العامَّة إلى المنع؛ لأنَّه يلزم اتّحاد الثَّمن والمثمن، أي العوض والمعوض.

وفيه: ما لا يخفى، فإنَّه في وقت العقد لا اتِّحاد، كما هو واضح، بل هما مختلفان.

أضف إلى ذلك: أنَّ المدفوع غير ما في الذِّمّة، وإن كان من أفراده.

وبعبارة أخرى: فإنَّ المعوّض هو ما في الذِّمّة، وما دفعه ليس هو المعوّض، وإن كان من أفراده، والله العالم.

logo