46/08/25
بيع السَّلف (34)/ كتاب البيع (347) /المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب البيع (347) / بيع السَّلف (34)
|قول الماتن: (ولو كان أصواف نعجات مع التَّعيين على الأقرب)|
المعروف بين الأعلام أنَّه لو أسلف في غنم، وشرط أصواف نعجات معيّنة، صحّ، هذا هو المشهور بينهم، ومنهم المصنِّف (رحمه الله).
وقال ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر: (إن جعل في جملة السَّلف أصواف النَّعجات المعيّنة، فلا يجوز السَّلف في المعيَّن، على ما مضى شرحنا له، وبيع الصُّوف على ظهر الغنم أيضاً لا يجوز، سواء كان سلفاً أو بيوع الأعيان...)[1]
وفيه: ما لا يخفى؛ إذ لا إشكال في بطلان بيع السَّلف إذا جعله من جملة السَّلف؛ لما قد عرفت أنَّه يشترط في عقد السَّلف كون المبيع مضموناً في الذِّمّة، فكيف يجعل أصواف النَّعجات المعيّنة جزءاً من السَّلم؟!
وقد عرفت أنَّ الكلام إنَّما هو في ملك أصواف النَّعجات المعيّنة بالشَّرط في عقد السَّلم، ولا إشكال في أنَّ اشتراطها ليس سلماً فيها، بل شرط فيه خارج عنه جائز، كباقي الشَّرائط.
أضف إلى ذلك: أنَّ بيع الصُّوف على الظَّهر ليس ممنوعاً، بل هو جائز مع المشاهدة، بل لو قلنا: بعدم جواز بيعها على الظَّهر؛ لأنَّها من الموزون -مع أنَّ الأصحّ: هو الجواز مع المشاهدة؛ لعدم موزونيّتها بهذا الحال كالثَّمرة على النَّخل- أمكن القول بالجواز من حيث الشَّرط لعموم أدلَّته، وجهالة الشَّرط -على فرضها- لا تضرّ؛ لأنَّ الممنوع هو البيع الغرريّ، وكون الشَّرط غرريّاً لا يضرّ بصحَّته؛ إذ لم يثبت النَّهي عن مطلق الغرر، بل الثَّابت هو نهي النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرريّ.
ومن هنا، قلنا: بجواز الصُّلح الغرريّ.
نعم، إذا رجع الشَّرط إلى جهالة أحد العوضَيْن فيبطل البيع؛ لأنَّه يصبح غرريّاً، إلَّا أنَّه لا يرجع هنا إلى ذلك.
وفي المهذَّب البارع: (أنّ موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن يجزّ حالّا، فلو عيّنها وشرط تأجيل الجزّ إلى أمد السَّلف، أو شرط أصواف نعجات في الذِّمة غير مشاهدة، لم يصحّ قولاً واحداً ...)[2]
وفيه: أنَّ الإجماع ممنوع -مضافاً لما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجّةٍ-.
بل الأقوى: في المقام هو الصِّحّة؛ لأنَّ جهالة الشَّرط لا تضرُّ حتَّى لو أدَّى ذلك إلى كونه غرريّاً؛ لما عرفت من عدم بطلان الشَّرط الغرريّ، والله العالم.
|قول الماتن: (ولو دفع أردأ أو أزيد جاز في غير الرَّبويّ، وبطل فيه على الأقرب)|
وجه الإشكال في المسألة: هل الرِّبا يدخل في كلِّ معاوضةٍ أو مقصور على البيع فقط؟
فقد ذهب كثير من الأعلام، ومنهم المصنِّف (رحمه الله) هنا، والمحقِّق الثَّاني (رحمه الله) في جامع المقاصد -وهو الإنصاف عندنا- أنَّ الرِّبا لا يختصّ بالبيع، ومنهم أيضاً الشَّيخ (رحمه الله)، والقاضي (رحمه الله)، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، وغيرهم؛ وذلك لإطلاق الكتاب {﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...﴾[3] } ولإطلاق جملة من الرِّوايات، كما سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى- في بابه قريباً، بل هناك بعض الرِّوايات الخاصَّة دالَّة على ذلك، كما تعرف -إن شاء الله تعالى-.
ولكن جماعة من الأعلام -منهم ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر ، والمحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع والنَّافع، والعلَّامة (رحمه الله) في جملة من كتبه- ذكروا أنَّ الرِّبا خاصّ بالبيع؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المجمع عليه، وحملوا الإطلاق على الفرد المتبادر منه، وهو البيع، وستعلم -إن شاء الله تعالى- أنَّ قولهم ليس تامّاً، والله العالم.
قول الماتن: (ولو تنازعا في قبض الثَّمن قبل التّفرُّق أو بعده حلف مدّعي الصِّحّة)
يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: ما لو تنازعا في قبض الثَّمن قبل التّفرُّق أو بعده.
الثَّاني: ما لو تنازعا في أصل قبض الثَّمن.
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه لو تنازعا في قبض الثَّمن قبل التّفرُّق أو بعده، فإنَّ القول قول مدَّعي الصِّحة مع يمينه إذا لم يكن للآخر بيّنة.
هذا هو المشهور بين الأعلام، ومنهم المصنِّف (رحمه الله)، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، وجامع المقاصد (رحمه الله)، والمحقِّق (رحمه الله)، والشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، وصاحب الجواهر (رحمه الله)، وغيرهم، وهو الإنصاف عندنا.
والوجه في تقديم مدَّعي الصِّحّة مع يمينه إذا لم يكن للآخر بيّنة: هو أنَّهما اعترفا بحصول القبض، وهو ممَّا يقع على وجهَيْن وجه صحيح إذا حصل قبل التّفرُّق، ووجه باطل إذا حصل بعد التّفرُّق، وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ سيرة المسلمين قائمةٌ على الصِّحّة، كباقي أفعال المسلمين، وأقوالهم التي تقع على وجهَيْن، فإنَّهما تحمل على الوجه الصَّحيح عند المسلمين، ويرتِّبون الأثر على ذلك.
وذكر جماعة من الأعلام منهم الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك أنَّ الوجه في تقديم أصالة الصِّحّة، مع أنَّها معارضة بأصالة عدم القبض قبل التّفرُّق؛ لأنَّ هذا الأصل معارض بأصل عدم التّفرُّق قبل القبض المتَّفق على وقوعه، فيتساقط الأصلان، ويحكم باستمرار العقد، ولا نزاع بينهما في أصل الصِّحة، وإنَّما النِّزاع في طروِّ المفسد والأصل عدمه.
أقول: ما ذكره الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، وبعض الأعلام، لا بأس به، إلَّا أنَّه لا حاجة إليه بعدما عرفت.
وأمَّا الأمر الثَّاني: فسيأتي -إن شاء الله تعالى- بعد تمام الكلام عن الأمر الأوَّل، والله العالم.