46/08/19
بيع السَّلف (32)/ كتاب البيع /المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب البيع / بيع السَّلف (32)
إذا عرفت ذلك، فنقول: إن أتى من نوعه بأجود منه، فالمعروف بينهم أنَّه يجبر على قبضه؛ لأنَّه أتى بما تناوله العقد، وزيادة الصِّفة تابعة للعين، وهي منفعة لا تضرّه.
وممَّنْ ذهب إلى ذلك الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والعلَّامة (رحمه الله) في جملة من كتبه، والمحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والمصنِّف (رحمه الله) هنا، وفي اللُّمعة.
والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة، والمسالك، والمحقِّق الثَّاني (رحمه الله) في جامع المقاصد، وكذا غيرهم من الأعلام، كصاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: (بلا خلاف معتدّ به، ولا إشكال...).
وحكى المصنِّف (رحمه الله) عن ابن الجنيد (رحمه الله) أنَّه لا يجب القبول.
ووافقه على ذلك الأردبيليّ (رحمه الله)، وقوّاه المحدِّث البحرانيّ الشَّيخ يوسف (رحمه الله) في حدائقه، وصاحب الرِّياض (رحمه الله).
واستدلُّوا لذلك: بصحيحة سُليمان بن خالد (قَاْل: سُئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يسلم في وصف أسنان معلومة، ولون معلوم، ثمَّ يعطي فوق شرطه، فقال: إذا كان على طيبة نفس منك ومنه فلا بأس به)[1]
حيث شرط فيها أخذ ما فوق الشَّرط بطيبة نفسهما، فلا يجبر عليه، كما هو ظاهر كلامهم من وجوب القبول.
ولا يخفى عليك أنَّ صحيحة سليمان مثل صحيحة الحلبيّ المُتقدِّمة.
والظَّاهر أنَّ هناك سقطاً فيها؛ إذ الصَّحيح، ثمَّ يعطي دون شرطه أو فوقه...
والجواب عنها، وعن باقي الرِّوايات المُتقدِّمة الَّتي اشترط طيب النَّفس منهما فيها، حيث إنَّها دلَّت على أنَّ جواز الأخذ مشروط بطيب النَّفس منهما، وليست دالَّةً على وجوب الأخذ عليه الَّذي هو محلّ الكلام.
والجواب: هو أنَّ هذه الرِّوايات ليست في مقام نفي الوجوب، بل هي ظاهرة في التَّوزيع المرتِّب، حيث إنَّ الغالب عدم الرِّضا المسلم إليه -أي البائع- بدفع فوق الصِّفة.
كما أنَّ الغالب عدم رضا المسلم -أي المشتري- بالأقلّ فبيّن (عليه السَّلام) أنَّه لا بأس بكلٍّ منهما مع الرِّضا من كلٍّ منهما.
والحاصل: أنَّ ما ذهب إليه المشهور من الوجوب هو الصَّحيح.
وأمَّا إذا أتى المسلم إليه بأكثر من قدره، أي أكثر من المقدار المطلوب منه، فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا يجب قبول الزِّيادة؛ لأنَّ الزِّيادة ليست تابعةً؛ لأنَّ تمييزها ممكن، فتكون هبةً، فلا يجبر على قبولها بلا خلاف، كما في الرِّياض، وقد يظهر من العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة أنَّه لا خلاف فيه بين المسلمين.
أضف إلى ذلك: أنَّ في أخذها منَّةً، والَّتي لا يخفى ما في تحملها من المشقَّة، والله العالم.
قول الماتن: (ولا يجب القبض قبل الأجل، وإنِ انتفى الضَّرر عن المسلم، ولم يتعلّق غرض الدَّافع بغير البراءة)
أي براءة ذمَّته من حقِّ غيره، وقد تقدَّم الكلام حول هذه المسألة في مبحث النَّقد والنَّسيئة[2] ، فراجع.
قول الماتن: (ويجب خلوّ الحبوب من التُّراب والقشر غير المعتاد، وخلوّ الحنطة من الشَّعير، إلَّا أن يذكر اختلاطها به، ويُعفى عن الحبّات اليسيرة)
المعروف بين الأعلام أنَّه يجب تسليم الحبوب عند الإطلاق حين العقد خالية من التُّراب، ونحوه.
وكذا يجب تسليم الحنطة خاليةً من الشَّعير والتِّبن والزّوان، ونحو ذلك؛ لأنَّ ذلك كلّه لا يقع عليه اسم الحبوب والحنطة، إلَّا أن يذكر حين العقد اختلاطها بذلك.
نعم، يعفى عن الحبات اليسيرة؛ للصِّدق العرفيّ.
قول الماتن: (ولو أسلم في شاة لبون فله حلبها، وتسليمها إلى المسلم)
المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز السَّلم في الشَّاة اللَّبون، بل هو متَّفق عليه بينهم؛ لإمكان ضبطها، وكثرة مثلها، فإذا كان فيها لبن جاز له حلبها وتسليمها بلا لبن؛ لصدق اسم الشَّاة اللَّبون عليها بعد الحلب.
قول الماتن: (ويجوز السَّلم في السَّمك والجراد حيّاً و ميّتاً ونيّاً ومطبوخاً، وفي الصّمغ، والطِّين الأرمنيّ، والحسينيّ (عليه السَّلام)، ساذجاً ومعمولًا سبحاً وألواحاً)
يجوز السَّلم في تلك الأشياء عند الأعلام؛ وذلك لإمكان ضبطها بالوصف.
وعليه، فالمقتضى موجود، والمانع مفقود.
قول الماتن: (ولو أسلم حالًّا، فسلَّم المبيع في المجلس، ففي الاكتفاء به عن تسليم الثَّمن نظر، من خروجه عن بيع الدَّين بمثله)
لو جوَّزنا السَّلم حالّاً -كما هو صحيح عند المصنِّف (رحمه الله)، وبعض الأعلام، والمشهور أنَّه لا يصحّ إلَّا في المؤجَّل، كما هو كذلك عندنا- فلا إشكال في الاكتفاء بتسليم المبيع في المجلس عن تسليم الثَّمن؛ لعدم صدق بيع الدَّين بالدَّين.