« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 بيع الثِّمار 30// كتاب البيع

الموضوع: كتاب البيع // بيع الثِّمار 30

 

لا إشكال في رجحان الإقالة للنَّادم وغيره، وفي مفتاح الكرامة: ©يدلُّ على علی جواز الإقالة بعد الأخبار المستفیضة باستحبابها الإجماع المعلوم والمنقول[1] .

 

وفي الجواهر: لا ريب في مشروعيّتها، بل رجحانها للنَّادم المسلم‌[2] .

أقول: تدلُّ على استحباب الإقالة جملة من الرِّوايات:

منها: رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: أيُّما عبد أقال مسلماً في بيع أقاله الله عثرته يوم القيامة[3] .

وهي ضعيفة بجهالة مُحمّد بن عليِّ بن زيد بن إسحاق.

ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه، إلَّا أنَّه قال: أيّما مسلم أقال مسلماً ندامة في البيع، إلَّا أنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها: رواية عبد الله بن القاسم الجعفريّ عن بعض أهل بيته قال: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأذن لحكيم ابن حزام في تجارته حتَّى ضمن له إقالة النَّادم، وإنظار المُعسر، وأخذ الحقّ وافياً أو غير وافٍ[4] .

وهي ضعيفة أيضاً بعلي بن مُحمّد القاساني، وبالإرسال.

ومنها: رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قَاْل: أربعة ينظر الله عزَّوجل إليهم يوم القيامة: مَنْ أقال نادماً، أو أغاث لهفان، أو أعتق نسمةً، أو زوَّج عزباً[5] .

وهي ضعيفة بعدم وثاقة حمزة بن مُحمّد العلويّ الَّذي هو شيخ الصَّدوق (رحمه الله)، وترضَّى عنه، إلَّا أنَّك عرفت أنَّ التَّرضّي لا يدلُّ على الوثاقة.

 

المعروف بين الأعلام أنَّ الإقالة فسخ لا بيع بالاتِّفاق، وحقيقتها فَسْخ العقد من أحد المتعاقدَيْن بعد طلبه من الآخر[6]

وبالجملة، فإنَّ الإقالة عند الإماميَّة فَسْخٌ، وليست بيعاً، سواء وقعت بلفظ الإقالة أو الفسخ، وسواء وقعت قبل القبض أم بعده، سواء كان المبيع عقاراً، أم غيره؛ وذلك للإطلاق، خلافاً للعامَّة، حيث ذهب بعضهم: إلى أنَّها بيع، وآخر: إلى أنَّها بيع إذا كان المبيع عقاراً، وثالث: إلى أنَّها بيع إذا كانت بعد القبض، ورابع: إلى أنَّها بيع إذا كنت بلفظ الإقالة لا بلفظ الفسخ.

ولا يخفى عليك ضعف هذه الأقوال؛ لعدم قصد معنى البيع، بل المقصود خلافه، وردّ الملك ليس تمليكاً جديداً، فلا يجري عليها شيءٌ من أحكام البيع.

ونبَّه المصنِّف (رحمه الله) بقوله: ليست بيعاً في حقّ المتبايعَيْن، على خلاف بعض العامَّة، كما عرفت، كما أنَّه نبَّه بقوله: ولا غيرهما، أي ليست بيعاً في غير المتبايعَيْن، كالشَّفيع، حيث نبَّه ذلك على خلاف آخرين، حيث جعلوها بيعاً في حقّ الشَّفيع، فيثبت له بها الشُّفعة.

ثمَّ لا يخفى عليك أيضاً أنَّ الإقالة لا تختصُّ بالبيع، بل تجري في جميع العقود اللَّازمة حتَّى الهبة اللَّازمة، إلَّا النِّكاح والضَّمان، فإنَّ الإقالة لا تجري فيهما.

وسيتَّضح لديك أيضاً: أنَّ الإقالة ليست من العقود المصطلحة، ولذا لم يصرِّح أكثر الأعلام بكونها عقداً، بل اقتصروا على أنَّها فسخ.

وأمَّا صيغة الإقالة، فسيأتي الكلام عنها -إن شاء الله تعالى- عند قول المصنِّف (رحمه الله): وصورتها أن يقولا: تقايلنا، أو تفاسخنا، أو أقلتك، فيقبل الآخر...

 

المعروف بين الأعلام أنَّه لا تثبت الشُّفعة بالإقالة، ولا خيار المجلس، ولا غير ذلك من أحكام البيع؛ لأنَّ هذه الأمور تابعةٌ للبيع، والإقالة عندنا فسخ، وليست بيعاً، لا في حقّ الشَّفيع، ولا غيره، خلافاً لبعض العامَّة، حيث جعلها بيعاً في حقِّ الشَّفيع، فيثبت له بها الشُّفعة[7]

وسيتَّضح لك أيضاً أنَّها ليست من العقود المصطلحة، فلا يجري عليها شيءٌ من أحكام عقود المعاوضة.

المعروف بين الأعلام أنَّ الإقالة تصحُّ في الكلّ، وفي البعض والسَّلم وغيره.

وفي الحدائق: الظَّاهر أنَّه لا خلاف بينهم في ذلك .

وقدِ ادَّعى بعضهم الإجماع على ذلك.

والإنصاف: أنَّ الأمر كذلك؛ لإطلاق أدلَّة الإقالة.

وبالجملة، فإنَّه لا خلاف في المسألة، عدا ما حكاه المصنِّف (رحمه الله) في حواشيه عن ابن المتوَّج إذا اتَّحد البائع والمشتري، والعقد، فإنَّ الإقالة لا تصحُّ، إلَّا في الكلّ دون البعض، وردّ عليه المصنِّف (رحمه الله) في حواشيه، بل المنقول خلافه.

أقول: بل هو مخالف لإطلاق أدلَّة الإقالة، فلا ينبغي أن يُعتنى به، وحكي الخلاف أيضاً عن بعض العامَّة، حيث منع من الإقالة في بعض السَّلف؛ لأنَّه يصير بيعاً وسلفاً.

وقد نهى النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عنه، كما في معتبرة سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) قَاْل: نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن سلف وبيع، وعن بيعَيْن في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن[8] .

ومعنى البيع والسَّلف: أن يقول: بعتك منّاً من طعام حالاً بعشرة، وسلفاً بخمسة، وهم فهموا من الرِّواية أنَّ المراد بالسَّلف القرض، فإذا أقاله في بعضه، وردّ بعض رأس المال، يصير في معنى القرض؛ لأنَّه ردّ مثله، ويصير الباقي بيعاً.

وفيه: أنَّه منقوض بالرُّجوع بأرش العيب؛ لأنَّه في معنى ما ذكروه.

أضف إلى ذلك: أنَّنا نمنع أن يكون ردّ المثل يوجب كونه قرضاً، وإلَّا لزم كون البيع إذا أقيل، ولم يكن العوض موجوداً كذلك.

على أنَّه قد يمنع الاجتماع؛ لأنَّه إنَّما يكون إذا شرط في البيع ذلك.

وأمَّا لو أسلفه شيئاً، وباعه شيئاً آخر، ولم يشترط أحدهما في الآخر، جاز عندهم.

ثمَّ إنَّ هذا كلّه بناءً على وضوح دلالتها، وقد عرفت في محلِّه أنَّ الرِّواية مجملة من حيث الدَّلالة.

ومن هنا، استدلّ الأعلام على الصِّحّة: بأنَّ الإقامة من المعروف، وكلُّ معروفٍ جارٍ في جميع العِوض، فهو يجري في بعضه، كالإبراء.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في جواز الإقالة في الكلّ والبعض في السَّلم وغيره، ويتقسَّط الثَّمن حينئذٍ على النِّسبة.


[1] مفتاح الكرامة: ج14، ص833.
[2] الجواهر: ج24، ص351.
[3] الوسائل باب3 من أبواب آداب التجارة ح2و1و5.
[4] الوسائل باب3 من أبواب آداب التجارة ح2و1و5.
[5] الوسائل باب3 من أبواب آداب التجارة ح2و1و5.
[6] الوسائل باب3 من أبواب آداب التِّجارة ح2و1و5.
[7] الوسائل باب3 من أبواب آداب التِّجارة ح2و1و5.
[8] الوسائل باب7 من أبواب العقود ح2.
logo