46/05/08
بيع الثِّمار 28// كتاب البيع
الموضوع: كتاب البيع // بيع الثِّمار 28
قول الماتن: الخامس: ولو تحالفا بعد هلاك العين ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك على الأقرب، ولو عابت فأرشها، ولو أبق فالقيمة للحيلولة، ثمّ يترادّان إذا عاد
أمَّا رجوعه بقيمة التَّالف، فلأنَّه رجع بالتَّحالف إلى ماله، فيأخذ منه الموجود كيف كان وقيمة الذَّاهب.
وأمَّا الوجه في عَوْد ملك البائع للعين إذا عاد الآبق: فهو أنَّ القيمة أُخذت للحيلولة، لا للمعاوضة؛ لأنَّ المعاوضة مشروطة بصدور عقد، ولم يحصل.
قول الماتن: (وإن رهن أو آجر أو كوتب فالعقود باقية، وينتقل إلى القيمة في المكاتبة)
وجه كونها باقيةً: أنَّ هذه التّصرُّفات صدرت من المشتري، وهو مالك، وله أهليَّة التّصرُّف، فيترتَّب عليه ما ذُكر.
قول الماتن: وفي الرَّهن والإجارة وجهان، مبنيّان على الحمل على الكتابة أو الإباق، ولو رضي صاحب العين بتأخير الأخذ إلى فكِّ الرَّهن، أو فراغ الإجارة، احتمل إجابته، إن تسلَّم العين، أو أسقط الضَّمان وجوَّزناه، وإلَّا لم يجب
ممَّا ذكرناه سابقاً يظهر لك الحال فيما ذكره المصنِّف (رحمه الله)؛ لأنَّها مترتِّبة على القول: بالانفساخ من حين التَّحالف.
قول الماتن: السَّادس: لو تنازعا في قدر الثَّمن بعد الإقالة، أو الفسخ بخيار، حلف البائع
لو حصلت الإقالة للبيع، أو فسخ العقد للعيب مثلاً بعد قبض الثَّمن، ثمَّ اختلفا في قدر الثَّمن، فيقدَّم قول البائع مع يمينه؛ لأنَّه منكر لما يدَّعيه المشتري بعد الفسخ.
ذهب إلى ذلك جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله)، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة والتَّحرير، والمحقِّق الثَّاني (رحمه الله) في جامع المقاصد.
وبالجملة، فإنَّ البائع منكر لما يدَّعيه المشتري بعد الفسخ؛ لأنَّه بعد الفسخ لم يبقَ مبيع، ولا ثمن، فيكون كالدَّين في ذمَّته، أو الأمانة عنده، فيقبل قوله في قدره؛ لأنَّه ينكر الزِّيادة.
قول الماتن: السَّابع: لو تنازعا في النَّقد والنَّسيئة، أو قدر الأجل، أو اشتراط رهن، أو ضمين على المبيع، أو الثَّمن حلف المنكر
لو اختلفا في النَّقد والنَّسيئة -أي تأخير الثَّمن أو تعجيله- أو في قدر الأجل، أو في اشتراط رهن من البائع على الدَّرك، أو ضمين عنه، أو في المبيع، ولا بيَّنة، قُدِّم قول البائع مع اليمين.
ذهب إلى ذلك كثير من الأعلام، بل المشهور على ذلك.
والوجه في تقديم قول البائع مع يمينه في هذه المواضع: أنَّه منكر؛ لأنَّهما اتَّفقا على صدور العقد، وحصول الملك، وثمن معيَّن، واختلفا في أمر زائد، والبائع ينكره.
واحتمل بعض الأعلام أنَّ المسألة من باب التَّحالف بدعوى امتناع العمل بالمتَّفق عليه؛ إذ ليس هناك في الحقيقة متَّفق عليه؛ لأنَّ أحدهما يسند الملك إلى سبب مخصوص، والآخر ينفيه ويُسْنِده إلى سبب آخر.
ففي الحقيقة، الملك بقول أحدهما خلافُ الملك بقول الآخر، فكلٌّ منهما مدعٍ ومدَّعى عليه، فيتحالفان، إن لم تكن المسألة إجماعيّةً.
وفيه: أنَّ السَّبب النَّاقل للملك -وهو العقد- لا نزاع فيه بينهما، ولا تعدُّد، وإنَّما الخلاف فيما صاحبه من الأمور المذكورة، وهو أمر خارج عن السَّبب، فتنازعهما يرجع إلى وجود تلك الأمور وعدمه، ويُقدَّم قول المنكر، والله العالم.
قول الماتن: الثَّامن: لو تنازعا في الصِّحّة والفساد حلف مدَّعي الصِّحّة
المعروف بين الأعلام أنَّه لو قال البائع مثلاً: بعتك مالي بعبد، وشبهه ممَّا يصحّ ثمناً، فقال المشتري: بل بحُرّ، أو قال البائع: بعتك مالي بخلٍّ، فقال المشتري: بل بخمر، ونحو ذلك ممَّا لا يصح ثمناً.
فالمعروف بينهم أنَّ القول قول من يدَّعي صحَّة العقد مع يمينه إذا لم يكن للآخر بيَّنة.
وفي الجواهر: لا خلاف معتدّ به أجده..
وبالجملة، فإنَّ هذا هو المشهور بينهم؛ وذلك لأنَّ الأصل في العقود الصِّحّة، فيكون قول البائع موافقاً للأصل.
والمراد من الأصل هنا: الظَّاهر أو القاعدة.
وقد أشكل بعضهم: بأنَّ الأصل عدم العقد الصَّحيح، وبقاء الملك، فصار كما لو اختلفا في أصل البيع.
وأُجيب عنه: بأنَّ الأصل عدم العقد الفاسد أيضاً، وقد وقع العقد منهما قطعاً، والأصل في أفعال المسلمين وعقودهم الجارية بينهم هو الصِّحّة.
أقول: المشهور بين الأعلام، بل المتسالم عليه بينهم، أنَّ الأصل في العقود، والإيقاعات، الصِّحّة، فإذا ادَّعى أحدهما صحَّة المعاملة، سواء كانت عقداً أو إيقاعاً، وادَّعى الآخر فسادها، فيحمل الفعل -وهو المعاملة- على الصِّحّة مع يمين مدَّعيها.
نعم، إذا كانت هناك بيَّنة على الفساد، فيعمل على مقتضاها حينئذٍ.
والإنصاف: أنَّ الشَّكّ في الصِّحّة:
مرّةً: يكون من جهة الشَّكّ في قابليَّة الفاعل -كالشَّكّ في كونه مالكاً حين البيع أو كونه بالغاً أو عاقلاً مثلاً- .
وثانيةً: يكون الشَّكّ من جهة قابليَّة المورد -كما لو شككنا في كون المبيع مالاً حين البيع، أو أنَّه خمر، أو أنَّ هذه العين الموقوفة يصح بيعها لكونها من المستثنيات أم لا-.
وثالثةً: يكون الشَّكّ من جهة احتمال عدم الشَّرط، أو وجود المانع مع إحراز قابليَّة الفاعل والمورد.