« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

بيع الثِّمار 18// كتاب البيع

 

الموضوع: كتاب البيع // بيع الثِّمار 18

 

وقال ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر: (ولا بأس ببيع الزَّرع بشرط القصل، والقصل هو القطع، ويجب على المبتاع قطعه، قبل أن يسنبل، فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار، إن شاء قطعه، فإن لم يقطعه وبلغ كانت الزَّكاة إن بلغ النِّصاب على المشتري، وعليه أيضا أُجرة مثل تلك الأرض.

هذا إذا كانت الأرض عشريّة، فإن كانت خراجيّةً، كان على المبتاع خراجه، فأمَّا إذا باع الزَّرع مطلقاً عن شرط القطع والقصل، أو مشروطاً بالتّبقيَّة، فلا يجوز للبائع قطعه، ويجب عليه تبقيته إلى أوان الحصاد، ولا أجرة له في تبقيته، بخلاف ما قلناه في المسألة الأُولى؛ لأنَّ هناك تركه غير مستحقٍّ، لأنَّه اشترط القطع، وهذا تركه مستحقّ، فوجبت التّبقيَّة.

وقال شيخنا في نهايته: ولا بأس بأن يبيع الزَّرع قصيلًا، وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل، فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار، إن شاء قطعه، وإن شاء تركه، وكان على المبتاع خراجه.

والمراد بقوله (رحمه الله): «ولا بأس بأن يبيع الزَّرع قصيلاً» ما قلناه من أنَّه يبيعه للقطع والقصل، فلأجل هذا قال: وعلى المبتاع قطعه.

وقوله (رحمه الله): «وكان على المبتاع خراجه» يريد به طسق الأرض الَّذي قد قبل به السُّلطان، دون الزَّكاة؛ لأنَّ الأرض خراجيَّة، وهي المفتتحة عنوةً، دون أن تكون عُشريّة، لأنَّها إن كانت عُشريَّة، كانت عليه الزَّكاة فحسب، والخراجيَّة عليها الخراج، الَّذي هو السَّهم الَّذي قد تقبلها به، فإن فضل بعده ما فيه الزَّكاة، تجب عليه الزَّكاة، وإن لم يفضل ما يجب فيه ذلك، لا زكاة عليه فيه)[1] ، انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول: اِعلم أوَّلاً: أنَّ الأراضي الزِّراعية تُقسَّم من حيث تحمُّلها الضَّريبة مرّةً: إلى أراضي عُشريّة، وأُخرى: خراجيَّة.

والأراضي الخراجيَّة: وعاءٌ لما يُسمّى بالخراج والمقاسمة، والأرضي العُشريّة: وعاء لضريبة العُشر أو الزَّكاة.

التَّمييز بين الأراضي الخراجيَّة والعُشريّة

وللتَّمييز بين الخراجيَّة والعُشريَّة: يُرجع عادةً إلى العوامل السياسيَّة الَّتي ارتبطت أو خضعت بموجبها هذه الأراضي إلى دولة الإسلام، فإن كانت من الأراضي الَّتي أسلم عليها أهلها طواعيَّةً، وبالدَّعوة إلى الإسلام، فهي أراضي عُشريّة يلتزم القائم باستثمارها بحكم اعتناقه الإسلام أداء ضريبة العُشْر على محاصيلها الزَّراعيّة.

وإن كانت مفتوحةً عنوةً عامرةً حال الفتح، وكان ذلك بإذن الإمام (عليه السَّلام)، أو كانت مفتوحةً صلحاً، على أنَّ تكون الأرض للمسلمين، فهي أراضي خراجيّة يلتزم القائم باستثمارها أداء أُجرتها، ويُسمَّى ذلك بالخراج والمقاسمة.

وثانياً: أنَّ مقتضى الإنصاف: هو ثبوت الأُجرة عليه فقط؛ إذ لا دليل على ثبوت غيرها.

والخلاصة: أنَّه يستحقّ عليه أُجرة أرضه مدَّة بقائه.

الكلام في موثَّقة سُماعة بن مَهْران

بقي الكلام في موثَّقة سماعة (قَاْل: سألتُه عن شراء القصيل يشتريه الرَّجل فلا يقصله، ويبدو له في تَرْكه حتَّى يخرج سُنبله شعيراً أو حنطةً، وقدِ اشتراه من أصله، (وما كان على أربابه) من خراج فهو على العلج؟ قَاْل: إن كان اشترط حين اشتراه إن شاء قطعه، وإن شاء تركه، كما هو حتَّى يكون سنُبلاً، وإلَّا فلا ينبغي له أن يتركه حتَّى يكون سُنبلاً)[2]

قال صاحب الوسائل (رحمه الله): (وعنه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) نحوه، وزاد فيه: فإنْ فعل فإنَّ عليه طسقه ونفقته، وله ما خرج منه)[3]

والكلام فيها من ثلاث جهاتٍ:

الأُولى: من حيث كونها مضمرةً، أم لا.

والظَّاهر: أنَّها مسندة عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، كما صرَّح بذلك صاحب الوسائل (رحمه الله)، حيث قال: (وعنه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) نحوه، وزاد...).

وثانياً: لو فرضنا أنَّها مضمرة، إلَّا أنَّك عرفت أنَّ مضمرات سماعة مقبولة.

الجهة الثَّانية: قيل: يظهر من هذه الموثَّقة أنَّه إذا لم يشترط على البائع حين الشِّراء أنَّه إن شاء قطعه قصيلاً، وإن شاء تركه، فلا يجوز له أن يتركه حتَّى يكون سُنبلاً لقوله: (فلا ينبغي أن يتركه...).

وفيه أوَّلاً: أنَّ لفظ (لا ينبغي) ظاهرٌ في الكراهة، لا في الحرمة.

وثانياً: أنَّه يظهر من بعض الرِّوايات أنَّ له الإبقاء إذا لم يكن قدِ اشترط عليه القطع.

كما في حسنة زرارة (قَال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه‌السلام): أيحلُّ شراء الزَّرع الأخضر؟ قَاْل: نعم لا بأس به، وقَاْل: لا بأس أن تشتري الزَّرع والقصيل أخضر، ثمَّ تتركه إن شئت حتَّى يسنبل ثمَّ تحصده، وإن شئت أن تعلف دابّتك قصيلاً فلا بأس به قبل أن يسنبل...)[4]

الجهة الثَّالثة: يظهر من موثَّقة سماعة أنَّ الطَّسْق -الَّذي هو عبارة عن الخراج الَّذي يُؤخذ على الزَّرع- على المشتري، مع فرض اشتراطه على العلج -الَّذي هو عبارة عن الزُرّاع من كفَّار العجم، حيث إنَّهم يُعرفون بالعلوج- .

مع أنَّ المعروف بين الأعلام أنَّه لا وجه لكونه على المشتري، مع فرض اشتراطه على العلج.

والإنصاف: أنَّه يحمل على النَّدب، أي يستحبّ للمشتري أن يدفع الطَّسْق مع اشتراطه على العلج؛ وذلك للتَّسالم بينهم على عدم وجوبه على المشتري في الصُّورة المفروضة.

قوله: (ولا يجوز بيع البذر الكامن)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز له أن يشتريه بذراً؛ وذلك للغرر، وقد نهى النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرريّ، وقد تقدَّم الكلام حول ذلك سابقاً، ولسنا بحاجة للإعادة.

والخُلاصة: أنَّه لا يجوز للغرر.

 

قوله: (ولو صُولح عليه جاز)

 

إذ لا يشترط في صحَّة الصُّلح عدم الغرر.

ومن هنا، جاز الصُّلح عليه، ولو لزم من ذلك الغرر.


[1] السَّرائر: ج2، ص366.
[2] الوسائل باب11 من أبواب بيع الثِّمار ح7و8.
[3] الوسائل باب11 من أبواب بيع الثِّمار ح7و8.
[4] الوسائل باب11 من أبواب بيع الثمار ح3.
logo