« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

بيع الثِّمار 16// كتاب البيع

 

الموضوع: كتاب البيع // بيع الثِّمار 16

قول الماتن: وهلاك الثَّمرة بعد القبض -وهو التَّخلية- من مال المشتري إن لم يكن الخيار مختصّاً به، وقبله من مال البائع، إلَّا أن يكون بسبب المشتري، ولو أتلفها البائع فللمشتري تغريم المثل، وفسخ البيع، ولو أتلفها أجنبيّ قبل القبض فله الفسخ أيضاً، وإلزام الأجنبيّ، فإن فسخ طالب البائع الأجنبيّ

 

ذكرنا هذه الأبحاث بالتَّفصيل في درس الثَّالث والأربعين بعد المائتَيْن في القبض عند قول المصنِّف (رحمه الله): (ولو هلك المبيع قبل القبض ممَّنْ البائع، ولو أبرأه المشتري من الضَّمان...).

قلنا سابقاً: إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّه إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، بمعنى أنَّه ينفسخ العقد من حين تلف المبيع -لا من أصله-، ويرجع الثَّمن إلى ملك المشتري، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة، وإن كان الحكم بكونه من مال البائع يُوهِم ذلك، وإنَّما عبَّروا بذلك تبعاً للنَّصّ الَّذي سنذكره -إن شاء الله تعالى

ومعنى كون التَّلف من مال البائع: هو أنَّه يُقدَّر دخول المبيع في ملك البائع قبل التَّلف آناً ما، ويكون التَّلف كاشفاً عنه.

وبالجملة، فإنَّه يتجدَّد انتقال الملك إلى البائع قبل التَّلف بجزء لا يتجزّأ من الزَّمان، فيكون التَّلف كاشفاً عنه.

وممَّا ذكرنا من معنى الضَّمان يتَّضح لك أنَّ الضَّمان فيما نحن فيه حكم شرعيّ لا حقّ ماليّ، فلا يقبل الإسقاط، فلو أبرأه المشتري من الضَّمان لم يسقط، كما نصّ عليه المصنِّف (رحمه الله) في أحكام القبض، وجماعة من الأعلام.

ثمَّ إنَّ المعروف بينهم أنَّ تلف المبيع قبل القبض إنَّما يكون من مال البائع إذا لم يكن عدم القبض بامتناع من المشتري، وإلَّا فإذا كان عدم القبض لامتناع منه فهو من مال المشتري؛ وذلك لانصراف الدَّليل الدَّالّ على كونه من مال البائع عن هذه الصُّورة.

ومقتضى القاعدة حينئذٍ: كون التَّلف من مال المشتري؛ لأنَّ المبيع ملك له، وإن لم يقبضه.

 

الأدلَّة على كون المبيع قبل قبضه من مال البائع

 

إذا عرفت ذلك، فقدِ استدلّ لكون تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع -إذا لم يكن عدم القبض بامتناع من المشتري- بجملة من الأدلَّة:

الدَّليل الأوَّل: التَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بل يظهر من بعض الأعلام أنَّ المسألة متسالم عليها أيضاً عند العامَّة.

وعليه، فالمسألة متَّفق عليها عند جميع المسلمين، وعلى فرض وجود مخالفٍ عندنا وعندهم، فهو شاذّ لا يعتدّ بخلافه.

الدَّليل الثَّاني: النَّبويّ المعروف، والمشهور بين الأعلام، وهو (كلُّ مبيعٍ تلف قبل قبضه، فهو من مال البائع)[1]

ولكنَّه ضعيف، كما لا يخفى عليك، بل أصله من العامَّة، ونقله الأعلام في كتبهم.

نعم، ذكر صاحب الجواهر (رحمه الله): (أنَّه منجبر بعمل الأصحاب كافَّةً).

وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ عمل كلِّ الأصحاب -لاسيَّما المتقدِّمون منهم- يجبر ضعف السَّند.

نعم، عمل مشهور المتقدِّمين لا يجبر ضعف السَّند.

أمَّا عمل كلّ المتقدِّمين، فهو جابر، كما ذكرنا ذلك في أكثر من مناسبة، ولا يبعد عمل الكلّ هنا؛ لأنَّ عبارات الفقهاء هنا هي نفس عبارة النَّبويّ، فيطمئنّ حينئذٍ بالصُّدور.

وهناك بعض الأدلَّة ذكرناها هناك مَنْ أراد فَلْيُراجع، كما أنَّ مسألة كون التَّلف بعد القبض من مال المشتري ذكرناها هناك.

وذكرنا أيضًا مسألة ما لو أتلفها البائع فللمشتري تغريم المثل وفسخ البيع، وكذا مسألة ما لو أتلفها أجنبيّ قبل القبض فله الفسخ أيضاً، وإلزام الأجنبيّ.

وعلى العموم، فهذه المسائل ذكرناها بالتَّفصيل، ولا حاجة لإعادتها.


[1] المستدرك باب9 من أبواب الخيار ح1.
logo