46/04/16
بيع الثِّمار 15// كتاب البيع
الموضوع: كتاب البيع // بيع الثِّمار 15
قوله: وقد يفهم من هذا التَّوزيع تنزيل شراء صاع من الصُّبرة على الإشاعة
قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة -بعد نقل كلام المصنِّف (رحمه الله)-: وقد تقدَّم ما يرجح عدمه -أي عدم التَّنزيل على الإشاعة-، ففيه سؤال الفرق[1]
حاصله: أنَّ بيع الصَّاع من الصُّبّرة هو على نحو الكُليّ في المعيَّن، وليس هو بيعاً، على أنَّه جزء من الصُّبّرة على نحو الإشاعة، ولازمه أنَّ التَّلف إنَّما يكون من البائع، ولا خسارة على المشتري.
وعليه، فقد تساءل الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) عن الفرق بين بيع الصاَّع من الصُّبّرة، وأنَّ الخسارة على البائع، وبين استثناء حصَّةٍ مشاعةٍ من الثَّمرة وأرطال معلومة، فتحمل على الإشاعة، وأنَّ الخسارة عليهما.
أقول: يمكن الفرق بينهما بأنَّ التَّلف في بيع الصَّاع من الصُّبّرة هو قبل القبض، فيكون على البائع؛ للقاعدة المعروفة أنَّ كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه، فهو من مال بائعه.
وعليه، فيلزم على البائع تسليم المبيع منها، وإن بقي قدره، فلا ينقص المبيع -وهو الصَّاع- لأجله.
وهذا بخلاف الاستثناء، فإنَّ التَّلف فيه بعد القبض والمستثنى بيد المشتري أمانة على الإشاعة بينهما، فيوزَّع النَّاقص عليهما، والله العالم بحقائق أحكامه.
قوله: ولو باعه صُبّرة من الثَّمرة بأُخرى من جنسها أو غيره من غير اعتبارٍ بطل، وإن تطابقا عنده، أو لم يتمانعا، وجعله الشَّيخ مراعى بالتَّطابق، مع تساوي الجنس، وعدم الممانعة، مع اختلافه، وهو من باب الاكتفاء بالمشاهدة
المعروف بين الأعلام أنَّه لو قال: بعتك هذه الصُّبّرة من الثَّمرة أو الغَلَّة بهذه الصُّبّرة، سواء بسواء، فإن عرفا المقدار قبل البيع صحَّ، وإلَّا بطلا؛ لحصول الجهالة المؤدِّية إلى الغرر المانعة من صحَّة البيع حال العقد، وإن تساويا عند الاعتبار بالكيل أو الوزن، سواء اتَّحد الجنسان أو اختلفا.
وقد خالف في ذلك الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث ذهب إلى الجواز، وإن لم يعلما، فإن تساويا عند الاعتبار صحَّ، وإلَّا بطل للرِّبا.
ولو كانتا من جنسَيْن جاز إن تساويا أو تفاوتا، ولم يتمانعا، بأن بذل صاحب الزِّيادة أو منع صاحب النَّقيصة، وإلَّا فسخ البيع.
قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: وإذا باع صبرة من طعام بصبرة فإن كانتا من جنس واحد نظر، فإن كانا اكتالا، وعرفاً تساويهما في المقدار جاز البيع، وإن جهلا مقدارهما، ولم يشترطا التَّساوي، لم يجز؛ لأنَّ ما يجري فيه الرِّبا لا يجوز بيع بعضه ببعض جزافًا، وإن قال: بعتك هذه الصُّبّرة بهذه الصُّبّرة كيلاً بكيل، سواء بسواء، فقال: اشتريت، فإنَّهما يكالان، فإن خرجتا سواء جاز البيع، وإن كانت إحداهما أكثر من الأُخرى، فإن البيع باطل؛ لأنَّه ربا.
وأمَّا إذا كانتا من جنسَيْن مختلفَيْن، فإن لم يشرطا كيلًا بكيل، سواء بسواء، فإن البيع صحيح؛ لأنَّ التَّفاضل جائز في الجنسَيْن، فإن اشترطا أن يكون كيلاً بكيل، سواء بسواء، فإن خرجتا متساويتَيْن في الكيل جاز البيع، وإن خرجتا متفاضلتَيْن، فإن تبرَّع صاحب الصُّبرة الزَّائدة جاز البيع، وإن امتنع من ذلك ورضي صاحب الصُّبّرة النَّاقصة، بأن يأخذ بقدرها من الصُّبّرة الزَّائدة جاز البيع، وإن تمانعا فسخ البيع بينهما لا لأجل الرِّبا، لكن لأنَّ كلّ واحدٍ منهما باع جميع صُبَّرته بجميع صُبَّرة صاحبه، وعلى أنَّهما سواء في المقدار، فإذا تفاضلا وتمانعا وجب فسخ البيع بينهما[2]
فقد جعل البيع مراعى بالتَّطابق، مع تساوي الجنس، وعدم الممانعة مع اختلافه، قال المصنِّف (رحمه الله): وهو من باب الاكتفاء بالمشاهدة.
أقول: مقتضى الإنصاف والقواعد الَّتي ذكرناها سابقاً أنَّه لا يُكتفى بالمشاهدة.
وعليه، فلا يصحّ البيع مطلقاً على تقدير الجهالة وقت البيع لأداء ذلك إلى الغرر، وقد عرفت أنَّ البيع الغرريّ باطل، والله العالم بحقائق أحكامه.