< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الحيوان

 

ولكنَّ الإنصاف: هو ما ذكره الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، وابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر، أي أنَّه يُكره الوطء حتَّى تضع حملها، أو يمضي لها المُدّة، لا أنَّه يحرم؛ وذلك لجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قَاْل: سألتُ عن الأمةِ الحُبلى يشتريها الرَّجل؟ قَاْل: سُئِل أبي عن ذلك، فقال: أحلتها آية، وحرَّمتها أُخرى، وأنا ناهٍ عنها نفسي وولدي، فقال الرَّجل: وأنا أرجو أنتهي إذا نهيت نفسك وولدك(1).

والمراد بالآية المُحلّلة -والله العالم- هي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ...﴾[النِّساء: 3].

كما أنَّ المراد بالآية المحرمة هي قوله تعالى:﴿وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ...﴾ [الطلاق: 4].

والصَّحيحة ظاهرة في ترجيح آية الملك، فإنَّ المراد من النَّهي -في قوله (عليه السَّلام): وأنا ناهٍ عنها نفسي...- الكراهة، أي أكره ذلك لنفسي وولدي، وإن كان ذلك حلالاً.

أضف إلى ذلك: أنَّه يمكن دعوى ظُهور آية الحَمْل في غير المقام من ذوات العدد.

ومنها: رواية عبد الله بن مُحمّد -في حديث- قَاْل: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه‌السلام) -إلى أن قال في الَّذيل:- فما أحبُّ للرَّجل المسلمِ أنْ يأتيَ الجاريةَ حُبلى قد حبلتْ من غيره حتَّى يأتيَه فيُخبِره(2).

وقوله (عليه السَّلام): فما أحبُّ...، ظاهرٌ في الكراهة.

ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة صالح بن عقبة، ووجوده في كامل الزِّيارات، وتفسير عليّ بن إبراهيم لا ينفع؛ لعدم كونه من المشايخ المباشرين، كما أنَّها ضعيفة بجهالة عبد الله بن مُحمّد، فإنَّه مشترك بين عدّة أشخاصِ، فيهم الضَّعيف وغيره.

ومنها: معتبرة السَّكونيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) إنَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل على رجلٍ من الأنصار، وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف، فسأل عنها؟ فقال: اشتريتها -يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)!- وبها هذا الحبل، قَاْل: أقربتها؟ قَاْل: نعم، قَاْل: أعتق ما في بطنها، قَاْل: يا رسول الله! بمَ استحقَّ العِتق؟ قَاْل: لأنَّ نطفتك غذَّت سمعه وبصره ولحمه ودمه(3).

وهي ظاهرة جدّاً في جواز الوطء قبل الوضع، وقبل أن تمضي المُدّة المذكورة.

أضف إلى ذلك: أنَّ التَّعليل ظاهر في الكراهة.

ومقتضى الجمع العرفي بين هذه الرِّوايات الدَّالّة على الجواز، والرِّوايات السَّابقة الناهية مطلقاً، أو المقيّدة بالوضع، أو بمضي المُدّة المذكورة، حمل الرِّوايات السَّابقة على الكراهة.

ويشهد لذلك أيضاً: إطلاقات أدلة الملك.

وأمَّا الإجماع المُدّعى من صاحب الغنية، وغيره، فهو من الإجماع المنقول بخبر الواحد، وقد عرفت ما فيه، كما أنَّ الشهرة ليس حجةً.

والخُلاصة: أنَّ ما ذهب إليه الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، وابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر من القول بالكراهة هو الصَّحيح.

ثمَّ إنَّه على القول بالحرمة -كما ذهب إليه المشهور- فهل يشمل ذلك الوطء في الدبر؟

ذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّ ذلك لا يشمل الوطء في الدبر تنزيلاً لإطلاق الرِّوايات على المتعارف هو الوطء في القُبل.

خُصوصاً ما ورد في بعض الرِّوايات من أنَّه يعتق الولد مع الوطء؛ لأنَّه غذّاه من نُطفته وفرضه في الدَّبر، بعيد جدّاً.

ولكنَّ الإنصاف -بناءً على القول بالحرمة-: أنَّه لا فرق بين الوطء في القُبل والدبر؛ لصدق اسم الفرج، ولقوله (عليه السَّلام) في حسنة مُحمّد بن قيس المُتقدِّمة: لا يقربها... .

ولا ينافيها ما عدا الوطء منه بالدليل.

قوله: (وأنَّ الوطء بعدها مكروه إلى أن تضع)

قد عرفت أنَّه لا فرق في الكراهة قبل مضي المُدّة، أو بعدها.

نعم، قد يكون قبلها أشد كراهة.

قوله: (فيعزل)

المعروف بين الأعلام أنَّه يُستحبّ العزل عنها إذا وطأها.

وفي الجواهر: بلا خلاف أجده بين مَنْ تعرَّض له، إلَّا من ظاهر المحكيّ عن التَّقي وابن زُهرة فأوجباه في الوطء بالأربعة بناءً على جوازه...(4).

أقول: لا دليل على استحباب العزل، فضلاً عن الوجوب.

وأمَّا موثَّق إسحاق بن عمَّار قَاْل: سألتُ أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجلٍ اشترى جاريةً حاملاً قدِ استبان حملها فوطئها؟ قَاْل: بئس ما صنع، فقلتُ: ما تقول فيها؟ قَاْل: عزل عنها أم لا؟ قلتُ: أجبنيّ في الوجهَيْن، قَاْل: إنْ كان عزل عنها فَلْيتقِ الله ولا يعد، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد، ولا يورثه، ولكن يعتقه، ويجعل له شيئاً من ماله يعيش به، فإنَّه قد غذَّاه بنطفته(5).

فلا يستفاد منه استحباب العزل، بل لا إشعار بذلك.

_______________
21، ص92.

(2) الوسائل: ج21، ص87.

(3) الوسائل: ج21، ص95، الوسائل باب9 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح3.

(4) الجواهر -ط إحياء التُّراث العربيّ، بيروت-: ج24، ص218.

(5) الوسائل باب9 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo