< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الحيوان

 

قوله: (واستبراء الحامل بوضع الحمل، إلَّا أن يكون عن زنا، فلا حُرمة له، والمشهور أنَّه يستبرأها بأربعة أشهر، وعشرة أيام وجوباً عن القبل، لا غير)

ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لا استبراء لها إذا كانت حاملاً؛ لأنَّها معلومة الحمل، فلا فائدة للاستبراء المُفسَّر بترك الوطء حتَّى يتبيّن حالها.

نعم، لو فسّر بترك الوطء حتَّى يبرأ رحمها ممَّا اشتغل به من ماء، أو حمل، لصحّ القول: بأنَّ ترك وطء الحامل حينئذٍ حتَّى تضع، أو إلى مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيام، إنَّما هو لأجل الاستبراء.

إذا عرفت ذلك، فنقول: ذهب المشهور إلى أنَّه لا يجوز وطء الجارية الحامل قُبلاً حتَّى تضع، أو يمضي لحملها أربعة أشهر وعشرة أيام.

وظاهر الغُنية الإجماع على ذلك، وفي الرِّياض: ©ولا ريب في الحرمة قبل انقضاء هذه المُدّة؛ للمعتبرة المستفيضة، الَّتي كادت تكون متواترةً، وهي مع ذلك معتضدة بالشُّهرة العظيمة®(1).

وخالف في ذلك الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، حيث قال: ©إذا اشترى أمةً حاملاً، كُرِه له وطؤها قبل أن يصير لها أربعة أشهرٍ، فإذا مضت بها ذلك لم يكره وطؤها في الفرج -إلى أن قال:- دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، والأصل: الإباحة بظاهر الآية، وعدم المانع...®(2).

كما أنَّ ابن إدريس (رحمه الله) خالف، وذهب إلى الكراهة، حيث قال في السَّرائر: ©ومتى اشترى جاريةً حاملاً، كُرِه له وطؤها في القُبل، دون أن يكون ذلك مُحرّماً محظوراً، على الأظهر من أقوال أصحابنا، وهو الَّذي يقتضيه أُصول المذهب، سواء مضى أربعة أشهرٍ أو أقلّ منها -إلى أن قال:- و دليلنا نحن على صحّة ما اخترناه قوله تعالى: ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ﴾، فأباحنا تعالى وطء ما ملكت أيماننا بمُجرّد الملكيّة، والآية عامّة فمَنْ خصّصها يحتاج إلى دليل، وأيضا الأصل الإباحة، ولا مانع من ذلك، من كتابٍ، أو سنّةٍ مقطوعٍ بها، أو إجماع(3). وهو الإنصاف عندنا، كما سيتضح لك ذلك.

ثمَّ إنَّ ظاهر أكثر الأعلام الَّذين ذهبوا إلى حرمة الوطء قبل مضي المُدّة، لم يفرقوا بين الحَمْل من الزِّنا وغيره، إلَّا العلَّامة (رحمه الله) في المختلف، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة، وبعض من وافقهما، فذهبوا إلى جواز الوطء على كراهة قبل مضي المُدّة إذا كان الحَمْل من الزِّنا.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ هذه المسألة من المشكلات، وقدِ اضطرب فيها كلام الأعلام، فالشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية ذهب إلى ما ذهب إليه المشهور، ولكنَّك عرفت خلافه في الخلاف.

وكان أشدُّهم اضطراباً العلَّامة (رحمه الله)، حيث له ثلاث آراء في المسألة في كتاب القواعد:

قال هنا -أي في باب بيع الحيوان-: ويحرم وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، ويكره بعده إن كان عن زنا، وفي غيره إشكال(4).

وقال في باب النكاح: ولوِ اشتراها حاملاً كُرِه له وطؤها قُبلاً قبل الوضع، أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل؛ لأصالة عدم إذن المولى بالوطء، فإن علم إباحته -إمَّا بعقد أو تحليل- حرم حتَّى تضع، وإن علم كونه عن زناً فلا بأس(5).

وقال في باب الطلاق: مَنْ ملك جاريةً موطوءةً ببيع أو غيره، مِنِ استغنام أو صُلح أو ميراث أو أيّ سببٍ كان، لم يجز له وطؤها إلَّا بعد الاستبراء، فإن كانت حُبلى من مولى أو زوج أو وطء شبهةٍ، لم ينقض الاستبراء إلَّا بوضعه، أو مضي أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، فلا يحلّ له وطؤها قُبلاً قبل ذلك، ويجوز في غير القُبل، ويُكره بعدها...®(6).

وأمَّا ما ذكره بعض الأعلام من الفرق بين الحَمْل من الزِّنا، وغيره، فليس تامّاً؛ إذ لا يوجد في الرِّوايات في هذه المسألة ما يدلّ على الفرق بينهما، بل ظاهر الرِّوايات عدم الفرق، خُصوصاً مع ترك الاستفصال.

وأمَّا القول: بأنَّه لا حرمة لماء الزِّنا، فهو بالنِّسبة إلى إلحاق الولد وعدمه، لا بالنِّسبة إلى وطء من علم حملها منه المُعلَّل بتغذية الولد، ونحوه.

وأمَّا القول: بأنَّ المعهود من الشَّرع إلغاء اعتبار الزِّنا في العِدّة، والاستبراء، فهو يتمُّ في غير المقام الَّذي يمكن أن يكون عدم الوطء فيه تعبُّديّاً، وليس لعدّة، ولا استبراء، بل نمنع عدم الاستبراء للزِّنا.

ولذا ذكرنا في باب النِّكاح أنَّ من زنا بامرأة غير مُعتدّةٍ، ولا ذات بعلٍ، فالأقوى: أن لا يتزوّجها قبل استبرائها بحيضة.

________________

(1) الرِّياض -ط جماعة المدرّسين، قم المقدّسة-: ج8، ص404.

(2) الخلاف -ط جماعة المدرّسين، قم المقدّسة -:ج4، ص85.

(3) السرائر -ط جماعة المدرّسين، قم المقدّسة -: ج2، ص635.

(4) القواعد -ط جماعة المدرّسين، قم المقدّسة-: ج2، ص32.

(5) القواعد -ط جماعة المدرّسين، قم المقدّسة-: ج3، ص64.

(6) القواعد -ط جماعة المدرّسين، قم المقدّسة-: ج3، ص148.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo