< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الحيوان (24)

 

أقول: سيأتي -إن شاء الله تعالى- ما هو الصَّحيح في المسألة.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى التَّفصيل -كابن البرَّاج (رحمه الله)- بين علم البائع بالمال وعدمه، فإن لم يعلم به فهو له، وإن علم فهو للمشتري، فقد يُستدلّ له بحسنة زرارة ©قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه‌السلام): الرَّجل يشتري المملوك وله مال، لِمَنْ ماله؟ فقال: إنْ كان علم البائع أنَّ له مالاً فهو للمشتري، وإنْ لم يكن علم فهو للبائع®(1).

وقد أشكل على هذه الحسنة: بأنَّ الملك -سواء كان للمولى أم للعبد- لا ينتقل إلى المشتري بمجرّد العلم من دون صيغة، والأعلام حملوا هذه الحسنة على اشتراط البائع للمشتري ذلك.

وبه، يندفع إشكال انتقال الملك إلى المشتري بمجرّد العلم من دون صيغة.

نعم، يبقى إشكال على القول بأنَّ المال ملك للعبد: بأنَّه لا ينتقل عن ملكه إلَّا برضاه، والحال العبد لا مدخل له في هذا النقل.

ويُجاب عن الإشكال هنا، وعن الإشكال في الرِّوايات السَّابقة: بأنَّ جميع هذه الرِّوايات محمولةٌ على كون المال ملكاً للمولى، وأنَّ الإضافة للعبد لأدنى ملابسة.

وعليه، فإذا لم يكن المال الموجود مع العبد ملكاً له فلا محذور حينئذٍ.

وتصبح النَّتيجة: أنَّ المال الموجود مع العبد هو للمولى، سواء علم به أم لا، ولا يكون للمشتري إلَّا في صُورة واحدة، وهي فيما لو اشترط كونه له حين البيع.

وأمَّا ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله): بأنَّه ©لا استبعاد في ذلك؛ لجواز اشتراط ملكه ببقائه في يد مولاه...©، إلى آخر عبارته الَّتي ذكرناها سابقاً.

فيُجاب عنه: أنَّ هذا سليمٌ ومتينٌ فيما لو قام الدَّليل على ذلك بشكل واضح لا لَبْس فيه، وفيما نحن فيه ليس كذلك، غايته الإطلاق، فيُحمل على ما تقدّم من كون المال ملكاً للمولى، والله العالم.

_______________

(1) الوسائل باب7 من أبواب بيع الحيوان ح2.

***

 

قوله: (ولوِ اشتراه وماله صحّ، ولم يشترط علمه، ولا التَّفصي مِنَ الرِّبا إنْ قلنا: يملك، وإنْ أحلناه اشترطا)

المشهور بين الأعلام أنَّه لوِ اشترى العبد وماله صحَّ مطلقاً، إن كان الثَّمن من غير جنس المال الموجود مع العبد، وكذا يصحُّ الشِّراء بجنسه مطلقاً إذا لم يكن ربويّاً -أي لم يكن ممَّا يُكال أو يُوزن-.

وأمَّا لو كان ربويّاً، وبيع بجنسه، فلابُدّ من زيادة الثَّمن عن ماله حتَّى تكون هذه الزِّيادة في مقابل المملوك تخلُّصاً من الرِّبا.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: ©إذا كان مع العبد مائة درهمٍ، فباعه بمائة درهمٍ، لم يصحّ البيع، فإنْ باعه بمائة درهمٍ ودرهمٍ صحَّ...®(1).

وقال (رحمه الله) في المبسوط: ©ومتى باعه سيُّده، وفي يده مالٌ، وشرط أن يكون للمُبتاع، صحَّ البيع إذا كان المال معلوماً، وانتفى عنه الرِّبا، فإنْ كان معه مائةُ درهم،ٍ فباعه بمائة درهمٍ، لم يصحّ، وإنْ باعه بمائة ودرهم صحّ -ثمَّ قال:- وإذا باع عبداً قد ملَّكه ألفاً بخمسمائة صحَّ البيع على قول مَنْ يقول: إنَّه يملك، ولو باع ألفاً بخمسمائة لم يصحّ؛ لأنَّه ربا، والفرق بينهما: أنَّه إذا باع العبد فإنَّما يبيع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه، فصحَّ ذلك، ولم يصح بيع الألف بخمسمائة...®(2).

أقول: قد يُستدلّ للمشهور -مضافاً لكونه على القاعدة- برواية دعائم الإسلام عن جعفر بن مُحمّد (عليه السَّلام) ©وَإِنْ بَاعَهُ بِمَالِهِ، وَكَانَ الْمَالُ عُرُوضاً، وَ بَاعَهُ بِعَيْنٍ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، كَانَ الْمَالُ مَا كَانَ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَالُ عَيْناً وَبَاعَهُ‌ بِعُرُوضٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَيْناً وَبَاعَهُ بِعَيْنٍ مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنَ الْمَالِ، فَتَكُونَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ بِالْفَاضِلِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ وَرِقاً، وَالْبَيْعُ بِتِبْرٍ أَوِ الْمَالُ تِبْراً وَالْبَيْعُ بِوَرِقٍ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعَيْنِ‌...®(3).

ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ثمَّ لا يخفى أنَّ لزوم الرِّبا إذا اشتراه وماله، وكان ربويّاً، وبيع بجنسه، إنَّما يتَّجه على القول بعدم ملك العبد؛ لأنَّ المال حينئذٍ للمولى، فيكون قد باع العبد وماله على أن يكون المال جُزءاً من المبيع.

وإلَّا فلو قلنا: يملك العبد، وأنَّه له -كما هو الإنصاف عندنا-، فإنَّه لا يُشترط في الثَّمن الزِّيادة؛ لأنَّ ماله ليس جُزءاً من المبيع لِيُقابل بالثَّمن، بل هو تابع له.

ومن هنا، قال المُصنِّف (رحمه الله): ©ولم يشترط علمه، ولا التفصي من الربا إن قلنا: يملك، وإن أحلناه اشترطا...®.

ثمَّ إنَّ وجه اشتراط العلم بمقدار ما معه إذا قلنا: لا يملك، هو أنَّه لو لم يعرف مقدار ما معه وباعه بجنسه لم يصحَّ؛ لأنَّ الجهل يستلزم جواز تطرُّق الرِّبا.

_____________

(1) الخلاف -ط م. النَّشر الإسلاميّ-: ج3، ص124.

(2) المبسوط -ط المرتضويَّة، طهران-: ج3، ص137.

(3) الدَّعائم للقاضي النُّعمان -ط آل البيت (عليهم السَّلام)-: ج2، ص54.

***

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo