< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الحيوان

 

قوله: (وإذا أقرّ مجهول الحُريّة بالعبوديّة قُبل)

المعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ أقرّ على نفسه بالعبوديّة، وكان بالغاً عاقلاً، قُبل منه إذا لم يكن مشهوراً بالحريّة، ولا معلوم الانتساب إلى ما يستلزمها.

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده...).

أقول: يدلّ على ذلك -بعد التَّسالم بينهم- جملة من الرِّوايات:

منها: النَّبويّ المشهور، بل المتسالم على العمل به، وهو قوله (صلى الله عليه وآله) (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز)(1).

رواه صاحب الوسائل (رحمه الله) عن جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهو إن كان ضعيفاً بالإرسال، إلَّا أنَّه تسالم الأعلام على العمل به قديماً وحديثاً، كما لا يخفى.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان (قَاْل: سمعتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول: كان عليُّ بن أبي طالب (عليه‌السلام) يقول: النَّاس كلُّهم أحرار، إلَّا مَنْ أقرَّ على نفسِه بالعبوديّة وهو مدرك، من عبدٍ أو أمةٍ، ومَنْ شهد عليه بالرِّقّ، صغيراً كان أو كبيراً)(2).

ومنها: رواية الفضل (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجلٍ حُرٍ أقرَّ أنَّه عبدٌ؟ قَاْل: يُؤخذ بما أقرَّ به)(3).

وهي ضعيفة بجهالة الفضل الهاشميّ.

ومنها: موثَّقة إسماعيل بن الفضل (قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه‌السلام): حُرٌّ أقرَّ على نفسه بالعبوديّة، استعبده على ذلك؟ قَاْل: هو عبدٌ اذا أقرَّ على نفسِه)(4).

ومنها: رواية زكريا بن آدم (قَاْل: سألتُ الرِّضا (عليه‌السلام) عن قومٍ مِنَ العدوّ -إلى أنْ قال:- وسألتُه عن سبي الدَّيلم يسرق بعضهم من بعضٍ، ويُغير المسلمون عليهم بلا إمام، أيحلّ شراؤهم؟ قَاْل: إذا أقرُّوا لهم بالعبوديّة فلا بأس بشرائهم)(5).

وهي ضعيفة بعدم وثاقة مُحمّد بن سهل، وكذا غيرها من الرِّوايات.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ أصالة الحُرية لا تُعارِض الإقرار الَّذي هو بمنزلة البيّنة بالنِّسبة إلى ذلك.

ثمَّ إنَّه بقي الكلام في أنَّه هل يعتبر -زائداً على البلوغ والعقل- رشدُه وقت الإقرار، أم لا؟

ذهب الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك إلى اعتبار رشده، قال: (وهل يُعتبر مع ذلك رُشده؟ يظهر من المُصنّف -أي المُحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع- عدمه؛ لعدم اشتراطه، واختلف كلام غيره، فمنهم مَنِ اشترطه، ومنهم مَنْ لم يشترطه، من غير تعرُّضٍ لعدمه، وفي التَّذكرة في هذا الباب اشترطه، وفي باب اللُّقطة اكتفى بالبلوغ والعقل، ووجه اشتراطه واضح؛ لأنَّ غير الرَّشيد لا يُعتبر قوله في المال، وهو نفسه مال، ووجه العدم أنَّ إقراره بالرّقِّيّة ليس إقراراً بنفس المال، وإن ترتّب عليه، كما يسمع إقراره بما يُوجب القصاص، وإن أمكن رجوعه إلى المال بوجه، ويشكل فيما لو كان بيده مال، فإنَّ إقراره على نفسه بالرّقِّيّة يقتضي كون المال للمُقرّ له، إلَّا أن يقال بثبوته تبعا لثبوت الرقّيّة، لا لأنَّه إقرار بالمال، والأقوى: اعتبار الرُّشد)(6).

أقول: مقتضى الإنصاف هو عدم اعتبار الرُّشد؛ لأنَّ أدلَّة اعتبار جواز الإقرار مطلقة، ولا يوجد دليل هنا يدلّ على تقييدها بالرُّشد.

وأمَّا تفسير المُدرِك -في صحيحة ابن سنان المُتقدِّمة: إلَّا مَنْ أقرّ على نفسه بالعبوديّة، وهو مدرك... – بالرَّشيد، ففي غير محلِّه؛ إذ لا دليل على هذا التَّفسير، بل ظاهره إرادة كونه بالغاً عاقلاً، والله العالم.

__________________________

(1) الوسائل باب3 من أبواب كتاب الإقرار ح2.

(2)و(3)و(4) الوسائل باب29 من كتاب العِتق ح1و2و5.

(5) الوسائل باب2 من أبواب بيع الحيوان ح3.

(6) المسالك -ط مؤسّسة المعارف-: ج3، ص375.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo