« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الاعتكاف (26)

الموضوع: الاعتكاف (26)

 

أقول: تدلُّ على وجوب الكفَّارة -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام- جملة من الرِّوايات بلغت حدِّ الاستفاضة:

منها: صحيحة زرارة (قال: سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن المعتكف يجامع؟ قال: إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر)[1]

ومنها: موثَّقة سماعة (قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن معتكف واقع أهله؟ قال: هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان)[2]

ومنها: موثَّقته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن معتكفٍ واقع أهله؟ قال: عليه ما على الَّذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمِّداً: عتق رقبةٍ، أو صيام شهرَيْن متتابعَيْن، أو إطعام ستِّين مسكيناً)[3]

ومنها: صحيحة أبي ولّاد المتقدِّمة[4] .

وفي بعض الرِّوايات ثبوت الكفَّارة بالجماع ليلاً، كما في رواية عبد الأعلى بن أعين (قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان؟ قال: عليه الكفَّارة، قال: قلتُ: فإن وطأها نهاراً؟ قال: عليه كفَّارتان)[5]

ولكنَّها ضعيفة بمُحمّد بن سنان.

ثمَّ إنَّ ظاهر هذه الرِّوايات وجوب الكفَّارة بالجماع في الاعتكاف مطلقاً، من غير فرقٍ بين المندوب منه والواجب، ومن غير الفرق في الواجب بين المعيَّن والمطلق في اليومَيْن الأولَيْن، وفي غيرهما.

وسيأتي الكلام -إن شاء الله تعالى- حول إطلاق الرِّوايات عند تعرُّض المصنِّف (رحمه الله) للواجب غير المعيَّن.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ المواقعة الواردة في هذه الرِّوايات، وكذا الجماع، شاملةٌ للوطئ في القُبل والدُّبر مع الإنزال وبدونه.

واعلم أيضاً أنَّ هذه الكفَّارة في الجماع إنَّما هي لأجل إفساد الاعتكاف، مع قطع النَّظر عمَّا يجب لأجل إفساد الصَّوم الواجب على التَّعيين إن وقع نهاراً فيه، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

ومع قطع النَّظر أيضاً عمَّا يجب لخلف السَّبب الموجب له من نذر أو عهد، أو يمين.

 

قول الماتن: (أو إنزال)

 

ذهب كثير من الأعلام إلى أنَّه يُلحق بالجماع استدعاء المنيّ -أي الاستمناء-.

أقول: الوجه في إلحاقه بالجماع -مع أنَّ الرِّوايات واردة في خصوص المواقعة والجماع- هو موثَّقة سماعة (قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: عليه إطعام ستِّين مسكيناً، مدّ لكلِّ مسكين)[6]

وهي مطلقة تشمل ما لو كان الصَّوم في شهر رمضان، وما لو كان لأجل الاعتكاف، وهي، وإن لم يفرض فيها الصَّوم، إلَّا أنَّ المتبادر ذلك.

وعليه، فيختصُّ موردها بما إذا كان الجماع موجباً للكفَّارة، فيكون الاستمناء بمنزلته، وإلَّا فلا موجب للكفَّارة.

وبالجملة، فإنَّ هذه الموثَّقة نزلت الاستمناء منزلة الجماع من حيث الكفَّارة، فكما أنَّ الجماع يوجب الكفَّارة فكذلك الاستمناء.

 

قول الماتن: (وغيره من مُفسدات الصَّوم. ونقل الشَّيخ أنَّ ما عدا الجماع يوجب القضاء خاصَّة)

 

الرِّوايات الواردة في المقام مختصَّة بالجماع، وقد عرفت حكم الاستمناء لأجل موثَّقة سماعة المتقدِّمة.

وأمَّا إلحاق غيرهما بهما، فيحتاج إلى إحراز الملاك، وهو غير محرزٍ.

وعليه، فيكون الإلحاق بهما قياساً، وهو باطل.

ولقد أجاد صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث قال: (والأصحّ ما اختاره الشَّيخ والمصنِّف، وأكثر المتأخِّرين منِ اختصاص الكفَّارة بالجماع دون ما عداه من المفطِّرات، وإن كان يفسد به الصَّوم، ويجب به القضاء فيما قطع به الأصحاب)[7]

وقد عرفت حكم الاستمناء.

 

قول الماتن: (والظَّاهر (أنَّ المراد به) أنَّه يراد به مع عدم التَّعيين)

 

قد عرفت أنَّ لا كفَّارة لأصل الاعتكاف إلَّا بالجماع والاستمناء، وفي غيرهما لا كفَّارة للسَّبب الموجب للاعتكاف من نذر أو عهد أو يمين إذا كان ذلك غير معيّن، كما ذكرنا ذلك في مبحث الصَّوم.

وعليه، فلا كفَّارة مع عدم التَّعيين لغير الجماع والاستمناء.

وأمَّا في صورة التَّعيين، فيجب كفَّارة السَّبب من نذر أو عهد أو يمين، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

 

قول الماتن: (ولو فسده بالخروج، أو باستمتاع لا يفسد الصَّوم، أو بسبب يوجب قضاء الصَّوم خاصّة فكفّارة خُلف النَّذر أو العهد أو اليمين بحسب سببه الموجب)

 

لو أفسد الاعتكاف الواجب على التَّعيين بالخروج عن المسجد أو باستمتاع بالنِّساء إذا كان هذا الاستمتاع لا يوجب فساد الصَّوم، كالقُبلة واللَّمس بشهوة -بناءً على أنَّهما لا يفسدان الصَّوم- أو أفسد الصَّوم بسبب يوجب قضاء الصَّوم خاصَّة من غير كفَّارةٍ، كالحُقنة بالمائع، ففي هذه الحالة تكون الكفَّارة هي كفَّارة خُلف النَّذر أو العهد أو اليمين بحسب سببه الموجب للحنث به؛ باعتبار إفساد الاعتكاف، ولا تجب كفَّارة أصل الاعتكاف؛ لأنَّها بسبب الجماع والاستمناء خاصَّة.

 

قول الماتن: (ولو كان الخروج في ثالث النَّدب فلا كفَّارة وإن وجب القضاء)

 

لو كان الخروج عن المسجد في ثالث النَّدب فلا كفَّارة للاعتكاف لما تقدَّم، ولا للصَّوم لعدم فساده، ولا للسَّبب؛ إذ لا سبب يوجب مخالفته الكفَّارة، وإن وجب القضاء لأجل وجوب الاعتكاف وعدم الإتيان به في وقته صحيحاً.

 

قول الماتن: (ثمَّ كفَّارة إفساده بمُفسدات الصَّوم كبيرة إن وجب بنذر أو عهد أو بمضيّ يومَيْن)

 

قد عرفت أنَّ مُفسدات الصَّوم لا توجب الكفَّارة هنا إلَّا الجماع أو الاستمناء.

نعم، تجب كفَّارة السَّبب، فإن كان الاعتكاف واجباً بنذر أو عهد، فكالكفَّارة كبيرة مخيَّرة.

هذا على رأي المصنِّف (رحمه الله)، وكثير من الأعلام، حيث ذهبوا إلى أنَّ كفَّارة مخالفة العهد والنَّذر كبيرة مخيَّرة.

وأمَّا عندنا، فكفَّارة النَّذر هي كفَّارة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان على الأحوط وجوباً.

وأمَّا إذا وجب الاعتكاف بمضيّ يومَيْن، وأفسده بغير الجماع والاستمناء، فلا كفَّارة، لا للاعتكاف لما عرفت، ولا الصَّوم وإن أفسده إذا كان الإفساد بغير الجماع والاستمناء، ولا للسَّبب؛ إذ لا سبب يوجب مخالفته الكفَّارة.

 

قول الماتن: (وإن وجب باليمين، فالظَّاهر أنَّها كفَّارة يمينٍ)

 

إذا وجب الاعتكاف باليمين، فأفسده بغير الجماع والاستمناء، فكفَّارته هي كفَّارة اليمين -وهي عبارة عمَّا اجتمع فيها التَّخيير والتَّرتيب، وهي عتق رقبةٍ أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيامٍ متواليات-؛ لأنَّ الكفَّارة هنا لأجل السَّبب، وليست لأجل الاعتكاف إذا لم يكن الإفساد بالجماع أو الاستمناء.

 


[1] الوسائل باب6 من أبواب الاعتكاف ح1.
[2] الوسائل باب6 من أبواب الاعتكاف ح2.
[3] الوسائل باب6 من أبواب الاعتكاف ح5.
[4] الوسائل باب6 من أبواب الاعتكاف ح6.
[5] الوسائل باب6 من أبواب الاعتكاف ح4.
[6] الوسائل باب4 من أبواب ما يمسك عنه الصَّائم ح4.
[7] المدارك: ج6، ص349.
logo