46/11/21
الاعتكاف (19)
الموضوع: الاعتكاف (19)
قول الماتن: (والطِّيب حتَّى الرِّيحان على الأقوى)
المعروف بين الأعلام: حرمة الطِّيب على المعتكف، وفي الجواهر: (على الأشهر بل المشهور...)[1] .
وخالف في ذلك الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط فحكم بعدم تحريمه، ولكنَّه اختار في النِّهاية والخلاف الحرمة، بل ادَّعى الإجماع على ذلك.
ومهما يكن، فالصَّحيح هو ما ذهب إليه الأكثر من الحرمة؛ وذلك لصحيحة أبي عبيدة المتقدِّمة، وهي دالَّة أيضاً على حرمة التّلذُّذ بالرَّيحان.
والمراد بالتّلذُّذ هو الشَّمّ، كما لا يخفى.
كما أنَّ المراد بالرِّيحان كلُّ ما له رائحة طيَّبة من النَّباتات .
وذكر صاحب الجواهر (رحمه الله): (أنَّ المنساق إلى الذِّهن من شمّ الطِّيب التّلذُّذ به ففاقد حاسَّة الشَّمّ خارج، بل قد يومي إلى ذلك في الجملة قوله (عليهالسلام) في الصَّحيح: «ولا يتلذَّذ»)[2] .
أقول: وهو جيد.
ويضاف إليه: أنَّ النَّصّ منصرف أيضاً عمَّا لو كان الشَّم لغير التّلذُّذ، كما إذا شمَّه للاختبار أو لداع آخر غير التّلذُّذ.
ولذا قال (عليه السلام) في الصَّحيحة المتقدِّمة: (ولا يتلذَّذ بالرَّيحا )، والله العالم.
قول الماتن: (والاستمتاع بالنِّساء)
يقع الكلام في ثلاثة أمور:
الأوَّل: في حرمة الجماع.
الثَّاني: في حرمة اللَّمس، والتَّقبيل بشهوة.
الثَّالث: في حرمة النَّظر بشهوة إلى مَنْ يجوز النَّظر إليه.
أمَّا الأمر الأوَّل: لا إشكال في أنَّه يحرم على المعتكف مباشرة النِّساء بالجماع في القُبل والدُّبر.
وفي الجواهر: (إجماعاً بقسمَيْه في الأخير -أي الإجماع-، وكتاباً وسنةً، مستفيضةً أو متواترةً، إجماعاً...)[3]
أقول: تدلّ على ذلك -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام- جملة من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة أو التَّواتر:
منها: موثَّقة الحسن الجهم عن أبي الحسن (عليه السلام) (قال: سألته عن المعتكف، يأتي أهله؟ فقال: لا يأتي امرأته ليلاً ولا نهاراً وهو معتكف)[4] .
ومنها: موثَّقة سماعة (قال: سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن معتكف واقع أهله؟ قال: هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان)[5] .
ومنها: موثَّقته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال: عليه ما على الَّذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً: عتق رقبة، أو صيام شهرَيْن متتابعَيْن، أو إطعام ستِّين مسكيناً)[6]
وهناك بعض الرِّوايات في أنَّه إذا جامع نهاراً فعليه كفَّارتان كفَّارة الصَّوم وكفارة الاعتكاف، وإذا جامع ليلًا فعليه كفَّارة واحدة للاعتكاف.
كما في رواية عبد الأعلى بن أعين (قال: سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل وطئ امرأته، وهو معتكف، ليلًا في شهر رمضان؟ قال: عليه الكفَّارة، قال: قلتُ: فإن وطأها نهاراً؟ قال: عليه كفَّارتان)[7] .
ولكنَّها ضعيفة بمُحمّد بن سنان.
وأمر الأمر الثَّاني -وهو اللَّمس والتَّقبيل بشهوة-: فالمشهور بين الأعلام هو الحرمة للمعتكف.
وقد نسبه صاحب المدارك (رحمه الله) إلى قطع الأصحاب.
وفي الجواهر: (على المشهور في الأولين ، بل لا أجد فيه خلافاً سوى ما عساه تُشعِر به عبارة التَّهذيب....)[8]
أقول: قدِ استدلّ للحرمة بقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }[9]
ولكنَّ الظَّاهر من المباشرة هو الجماع، ولا يمكن حمل المباشرة على المعنى اللُّغويّ، وإلَّا لزم حرمة محادثة الزَّوجة، واللَّمس، والتَّقبيل بغير شهوةٍ، مع أنَّه بالاتِّفاق لا يحرم ذلك.
قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (يجوز أن يلامس بغير شهوةٍ، ولا نعرف فيه خلافاً؛ لما ثبت من أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف...)[10] .
ولكنَّ الإنصاف: هو حرمة اللَّمس والتَّقبيل بشهوة؛ إذ لا يوجد مخالف حتى أنَّ الشَّيخ (رحمه الله) لا يظهر من عبارته المخالفة للقوم.
وأمَّا الأمر الثَّالث -وهو حرمة النَّظر بشهوة إلى مَنْ يجوز النَّظر إليه-: فقد حكي القول بالحرمة عن العلَّامة (رحمه الله) في المختلف، وعن ابن الجنيد (رحمه الله).
وفيه -سواء صحَّت النِّسبة أم لا-: أنَّه لا دليل على الحرمة، ومقتضى الأصل هو الجواز.
وأمَّا الآية الشَّريفة {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، فلو سلَّمنا شمولها للَّمس، والتَّقبيل بشهوة، إلَّا أنَّها حتماً لا تشمل النَّظر بشهوة؛ إذ لا يُقال لمَنْ نظر إلى زوجته بشهوة أنَّه باشرها، والله العالم.
قول الماتن: (والمماراة)
لا إشكال في حرمة المماراة على المعتكف.
وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده...)[11] .
أقول: تدلّ على تحريمه -مضافاً لما ذكر- صحيحة أبي عبيدة المتقدِّمة.
قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: (المراء- لغةً- الجدال، والمماراة المجادلة، والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيويّ أو دينّي لمجرَّد إثبات الغلبة أو الفضيلة، كما يتَّفق للكثير من المتَّسمين بالعلم، وهذا النَّوع محرَّم في غير الاعتكاف أيضاً -إلى أن قال:- ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلميَّة مجرَّد إظهار الحقّ، وردّ الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطَّاعات، فالمائز بين ما يحرم منه وما يجب أو يستحبّ النِّيّة، فَلْيحترز المكلَّف من تحويل الشَّيء من كونه واجبا إلى جعله من كبار القبائح...)[12] .
قول الماتن: (ليلاً ونهاراً)
أي: لا فرق في محرَّمات الاعتكاف بين أن تكون بالنَّهار أو باللَّيل، كالبيع والشِّراء، والطِّيب والرَّيحان، والجماع واللَّمس والتَّقبيل بشهوة، والمماراة.
قول الماتن: (ولو اضطرّ إلى شراء شيء وتعذّرت المعاطاة جاز، وكذا البيع)
لا إشكال في جواز الشِّراء أو البيع للضَّرورة، فإنَّها تبيح المحظورات.
وأمَّا اشتراط تعذُّر المعاطاة؛ إمَّا لأنَّها ليست شراءً حقيقةً، فمع إمكانها لا يجوز الشِّراء والبيع؛ لأنَّه ليس مضطرّاً، أو لأجل أنَّها أخفّ أفراد الشِّراء، فينبغي اختيارها مع الإمكان.
ثمَّ إنَّه يعتبر تعذُّر التَّوكيل في الشِّراء والبيع، فمع إمكانه لا يكون مضطرّاً للشِّراء والبيع.