46/10/04
الصوم
الموضوع: الصوم
قال الماتن: (ولو نذر الأخمسة دائماً، فليس بعاجز عن الصَّوم على الأصحّ، ولا يقدح في تتابع الكفَّارة على الأصحّ لا في الشَّهر الأوَّل ولا الثَّاني)
لو نذر الأخمسة -جمع خميس- دائماً، فليس بعاجز عن الصَّوم لو لزمته الكفَّارة لقتل أو ظهار -والَّتي هي مرتبة، حيث يجب فيهما عتق رقبة، فإن عجز صام شهرَيْن متتابعَيْن، فإن عجز أطعم ستِّين مسكيناً أو كفَّارة جماع الَّتي هي مخيَّرة- على الأصحّ.
خلافاً لابن إدريس (رحمه الله)، حيث حكم بأنَّ يوم النَّذر لا يجوز صيامه عن الكفَّارة، وإذا صامه عن نذره بطل التَّتابع فهو عاجز عن الصِّيام، وينتقل فرضه إلى الإطعام...
والإنصاف: ما ذكره المصنِّف (رحمه الله)؛ إذ لا يقدح صيامه عن النَّذر في تتابع الكفَّارة، لا في الشَّهر الأوَّل، ولا الثَّاني؛ لأنَّه عذر، كالمرض والسَّفر الضَّروريّ، والحيض، فيصوم ستِّين يوماً بغير الأخمسة للكفَّارة، ويصوم الأخمسة في البين للنَّذر، ولا شيء عليه.
قول الماتن: (ويجوز نذر الصَّوم ممَّنْ عليه صوم واجب)
المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز نذر الصَّوم ممَّنْ عليه صوم واجب؛ وذلك لعدم المنافاة.
قول الماتن: (ويقدَّم النَّذر إن عيّنه بزمان على ما في ذمَّته من غير تعيين زمانٍ)
ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه يقدَّم النَّذر إن عيّنه بزمان قد حضر زمانه على ما في ذمّته غير المعيّن بزمان.
وجه التَّقديم: ضيق وقت النَّذر، وسعة ما في ذمَّته.
قول الماتن: (ولو لم يعيّنه، فالأقرب: التَّخيير)
لو لم يعيّن النَّذر بزمان، فالأقرب: التَّخيير؛ لما في وقت كلٍّ منهما من السِّعة، والمخالف فيه، هو الحسن بن أبي عقيل (رحمه الله)؛ لقوله: بتقديم القضاء على النَّذر والكفارة.
ولكنَّه في غير محلِّه، كما تقدَّم.
قول الماتن: (نعم، لو كان عليه قضاء من رمضان، وتضيّق، قدّمه على النَّذر)
لو كان عليه قضاء من رمضان، وتضيَّق، لقرب رمضان القابل إن قلنا: بأنَّه يتّضيَّق -وإلَّا فالأصحّ عندنا: أنَّه لا يتضيّق بقرب رمضان القابل- قدّمه؛ باعتبار ضيق وقته وسعة وقت النَّذر.
قول الماتن: (وقال الحسن: لا يجوز صوم النَّذر والكفَّارة لمَنْ عليه قضاء رمضان)
قد عرفت أنَّه في غير محلِّه.
قول الماتن: (ولو عيّن زماناً فاتَّفق مريضاً، فالأقرب: قضاؤه، وكذا الحائض)
تقدَّم حكم هذه المسألة عند قول المصنِّف (رحمه الله): ولو نذر هذه الأيام -أي الأيام الَّتي يحرم فيها الصَّوم- بطل، ولو وافقت نذره لم يصمها، وفي صيام بدلها قولان، أحوطهما: الوجوب
وكانت النَّتيجة: هناك هي وجوب القضاء، فراجع[1] .
قول الماتن: (ولو حلف على صيام يوم وجب)
لإطلاقات أدلَّة الحلف.
مضافاً: لبعض النُّصوص الخاصَّة المشار إلى بعضها، فيما سبق.
قول الماتن: (وكذا لو حلف على عدم الإفطار في النَّدب، أو نذره)
لو حلف على عدم الإفطار في النَّدب أو نذَرهَ وجب عدم الإفطار، فإن لم يرجع ذلك إلى نذر الصَّوم، فلابُدّ حينئذٍ من مراعاة الرُّجحان في عدم الإفطار؛ لأنَّ متعلَّق النَّذر لابُدّ أن يكون راجحاً.
نعم، لو رجع ذلك إلى نذر الصَّوم -كما هو الأقرب- فالأمر واضح؛ لأنَّ الصَّوم راجح شرعاً.
قول الماتن: (وفي تمحّض هذا للصَّوم نظر، أقربه ذلك، فينوي الوجوب حينئذٍ)
ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ في تمحُّض هذا اليوم للصَّوم بسبب الحلف بعدم الإفطار أو نذره، نظراً ينشأ من أنَّ أصل الصَّوم كان مستحباً، وقد عرض عليه حرمة الإفطار في الأثناء بسبب الحلف أو النَّذر، فلا يلزم من ذلك وجوب أصل الصَّوم.
ومن أنَّ حرمة الإفطار لا معنى لها، إلَّا وجوب الصَّوم، ولزوم إتمامه، فيرجع إلى نذر الصَّوم، ووجوب البقاء عليه.
ولكنَّ الأقرب: أنَّه يتمحَّض اليوم للصَّوم، فينوي الوجوب من حين الحلف أو النَّذر، إن قلنا: باعتبار قصد الوجه في النِّيّة.
ولكنَّك عرفت فيما سبق أنَّه لا يعتبر قصد الوجه، فراجع.
قول الماتن: (أمَّا لو نذر إتمام النَّدب فهو صوم يوم، وينعقد على الأقرب)
ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه لو نذر إتمام النَّدب فهو صوم، وهو الصَّحيح؛ إذ لا معنى لجعل إتمام الصَّوم على نفسه، إلَّا إيجاب الصَّوم عليها من حين النَّذر.
وبناءً على ذلك، فينعقد النَّذر؛ لأنَّه راجح، ولا يرجع ذلك إلى تبعُّض الصَّوم في اليوم، بل إلى وجوب إتمامه، ولا مانع من ذلك، كمَنْ صام يوم الشَّكّ بنيَّة النَّدب، ثمَّ ثبتت الرُّؤية في الأثناء.
قول الماتن: (بخلاف ما لو نذر صوم بعض يوم)
لو نذر صوم بعض يوم فلا إشكال في عدم انعقاده؛ لعدم تبعُّض الصَّوم.
قول الماتن: (وقال ابن الجنيد: لو حلف أن لا يفطر فسأله مَنْ يرى حقّه الفطر أفطر وكفَّر، ويشكل: بأنَّه إن كان كالأب فلا كفَّارة، وإلَّا فلا إفطار)
قال ابن الجنيد (رحمه الله): لو حلف أن لا يفطر، فسأله مَنْ يرى الصَّائم حقّه عليه -كالأب بالنِّسبة للابن مثلاً- الفطر، أفطر إجابةً لسؤاله، وكفَّر للإفطار.
وأشكل بعضهم: بأنَّه -أي الَّذي له حقّ على الصَّائم- إن كان كالأب بالنِّسبة للابن، والزَّوج بالنِّسبة للزَّوجة، والسّيِّد بالنِّسبة للمملوكه، فلا كفَّارة؛ لأنَّ لأولئك حلُّ اليمين، وإلَّا فلا إفطار شرعاً لحرمة حنث اليمين، وخلف النَّذر.
أقول: يظهر من حسنة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): لا رضاع بعد فطام، ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام -إلى أن قال:- ولا يمين لولد مع والده، ولا للمملوك مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها... [2]
أنَّ اليمين للولد لا تنعقد بدون إذن الأب، واليمين للزَّوجة لا تنعقد بدون إذن الزَّوج، واليمين للمملوك لا تنعقد بدون إذن السّيِّد، لا أنَّها تنعقد وللمذكورين حلّها.
خلافاً للمشهور، حيث ذهب إلى أنَّها تنعقد بدون إذنهم، إلَّا أنَّ لهم حلّها، وعلى الحالتَيْن، فلا كفَّارة إذا لم يأذنوا أو حلّوها.
فالجمع بين جواز الإفطار والتَّكفير، كما عن ابن الجنيد (رحمه الله)، في غير محلِّه أصلاً، والله العالم بحقائق أحكامه.