46/07/15
الدرس 77//الصوم 192
الموضوع: الصوم 192 // الدرس 77
ومنها: رواية أبي الصُّباح الكنانيّ (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجلٍ عليه من شهر رمضان طائفة، ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل؟ قَاْل: عليه أن يصوم، وأن يطعم كلّ يومٍ مسكيناً، فإن كان مريضاً فيما بين ذلك حتَّى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلَّا الصِّيام إن صحَّ، وإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكلّ يومٍ مسكيناً)[1]
وهي مطلقة أيضاً، كما لا يخفى.
ولكنَّها ضعيفة؛ لأنَّ مُحمّد بن الفضيل الَّذي يروي عن أبي الصُّباح مردّد بين مُحمّد بن الفضيل الصَّيرفي الكوفي الأزديّ الضَّعيف، وبين مُحمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النَّهديّ البصريّ الثِّقة.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى وجوب القضاء خاصَّة في الصُّورة الأُولى -وهي ما لو كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العُذْر، ولكنِ اتَّفق العُذْر عند ضيق الوقت- فقد يستدلّ له بجملة من الرِّوايات:
منها: حسنة مُحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السَّلام) (قَاْل: سألتهما عن رجلٍ مرض فلم يصم حتَّى أدركه رمضان آخر؟ فقالا: إن كان برأ ثمَّ توانى قبل أن يدركه الرَّمضان الآخر صام الَّذي أدركه، وتصدَّق عن كلِّ يومٍ بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه، وإن كان لم يزل مريضاً حتَّى أدركه رمضان آخر صام الَّذي أدركه، وتصدَّق عن الأوَّل لكلِّ يومٍ مدّ على مسكين، وليس عليه قضاؤه)[2]
وجه الاستدلال بها: أنَّ التَّواني لا يصدق مع العزم على القضاء.
وعليه، فقوله (عليه السَّلام): (إن كان برأ ثمَّ توانى...)، مفهومه: إن كان برأ، ولم يتوانَ فليس عليه قضاؤه ولا الكفَّارة.
وبما أنَّ القضاء متسالم عليه بينهم، فيبقى انتفاء الكفَّارة بانتفاء التَّواني الحاصل بالعزم على القضاء.
ومنها: رواية أبي بصير (قَاْل: إذا مرض الرَّجل من رمضان إلى رمضان ثمَّ صحّ فإنَّما عليه لكلّ يومٍ أفطره فدية طعام، وهو مُدّ لكلّ مسكينٍ، قَاْل: وكذلك أيضاً في كفَّارة اليمين، وكفَّارة الظّهار مُدّاً مُدّاً، وإن صحَّ فيما بين الرّمضانَيْن فإنَّما عليه أن يقضي الصِّيام، فإن تهاون به، وقد صحَّ، فعليه الصَّدقة والصِّيام جميعاً لكلِّ يومٍ مدّاً إذا فرغ من ذلك الرَّمضان)[3] .
ومفهوم القضيَّة أنَّه إن لم يتهاون فليس عليه الصَّدقة -أي الكفَّارة- وقد عرفت أنَّه مع العزم على القضاء لا يكون متهاوناً.
ولكنَّها ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وبعدم وثاقة القاسم بن مُحمّد الجوهريّ.
ومنها: روايته الأُخرى المرويَّة في تفسير العياشيّ، حيث ورد في ذيلها: (فإن صحّ فيما بين الرَّمضانَيْن، فتوانى أن يقضيه حتَّى جاء الرَّمضان الآخر، فإن عليه الصَّوم والصَّدقة جميعاً، يقضي الصَّوم، ويتصدَّق من أجل أنَّه ضيّع ذلك الصِّيام)[4]
والكلام فيها كالكلام في الرِّواية السَّابقة فإنَّ العازم على القضاء لا يصدق عليه التَّواني والتَّضييع، وذكرنا سابقاً أنَّها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية الفضل بن شاذان المُتقدِّمة عن الرِّضا (عليه السَّلام)، حيث ورد في ذيلها: (فإن أفاق فيما بينهما، ولم يصمه، وجب عليه الفداء؛ لتضييعه، والصَّوم لاستطاعته)[5]
ودلالتها كالسَّابقة.
ولكنَّها ضعيفة، كما تقدَّم.
فالتَّعبير عنها بصحيح الفضل بن شاذان، أو بالمصحِّح، كما عن السّيِّد محسن الحكيم (رحمه الله)، في غير محلِّه.
والجواب عن هذه الرِّوايات، مع ضعف أكثرها من حيث السَّند: أنَّ هذه العناوين من التَّواني والتَّهاون والتَّضييع يصدق على مجرَّد ترك القضاء، وعدم المبادرة إليه في زمان يمكنه فيه.
وعليه، فمَنْ كان عازماً على القضاء، ثمَّ تركه إلى آخر الوقت، فاتَّفق حصول العُذْر، ولم يمكنه القضاء، فيصدق عليه عند العرف أنَّه متهاون ومضيّع ومتوانٍ.
وممَّا يؤكد ذلك: أنَّ حسنة ابن مسلم المُتقدِّمة جعلت دوام المرض مقابلاً للتَّواني.
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه الصَّدوقان (رحمهما الله)، واختاره المصنِّف (رحمه الله)، والمحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، هو الصَّحيح، وهو وجوب الفدية، والقضاء على مَنْ برأ من مرضه، وأخر القضاء توانياً من غير حتَّى دخل رمضان الثَّاني، سواء أكان عازماً على القضاء أم لا، وسواء كان عازماً على التَّرك أم لا، وسواء لم يكن عازماً، لا على القضاء، ولا على الترك.
وعليه، فتتَّحد الصُّور الثَّلاث من حيث الحكم.
وأمَّا ما ذهب إليه ابن إدريس (رحمه الله) من نفي الكفَّارة، فهو على مبناه من عدم العمل بالخبر الواحد.
ولكن عرفت عدم صحَّة هذا المبنى.
بقي شيء في المقام، وهو أنَّ المصنِّف (رحمه الله)، وجماعة من الأعلام، ذكروا أنَّ مستحقّ هذه الصَّدقة هو مستحقّ الزَّكاة لحاجته.
ولكنَّ الأصحّ: اختصاصها بالمساكين، كما في حسنة مُحمّد بن مسلم المُتقدِّمة، حيث ورد فيها: (وتصدَّق عن كلِّ يومٍ بمُدّ من طعام على مسكين...)[6] ، والأمر سهل، والله العالم.
قول الماتن: (ولو استمرّ المرض إلى رمضان آخر فالفدية لا غير، وقال الحسن: القضاء لا غير، والأوَّل: مرويّ، واحتاط ابن الجنيد بالجمع بين القضاء والصَّدقة، وهو مرويّ أيضاً، ويحمل على النَّدب)
المعروف والمشهور بين الأعلام أنَّ منِ استمرّ به المرض إلى رمضان آخر سقط عنه القضاء، وكفَّر عن كلِّ يومٍ بمُدّ من طعام.
وفي المدارك: (ما اختاره المصنِّف (رحمهالله) من سقوط القضاء ووجوب التَّكفير مع استمرار المرض إلى الرَّمضان الثَّاني قول أكثر الأصحاب، وعليه دلَّت الأخبار الكثيرة...)[7]
وفي الجواهر: فلا بأس بدعوى تواترها، والخروج بها عن ظاهر قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً﴾[8]
وهناك قولان آخر في المسألة:
أحدهما: ما عن ابن أبي عقيل، وابن بابويه، والشَّيخ (قدِّس سرُّهم) في الخلاف، وابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر، وأبي الصَّلاح (رحمه الله) في الكافي، من تعيُّن القضاء دون الكفَّارة.
ثانيهما: ما عن ابن الجنيد (رحمه الله) من الاحتياط بالجمع بين القضاء والكفَّارة.
أقول: أمَّا القول المشهور فتدلّ عليه الرِّوايات الكثيرة البالغة حدّ الاستفاضة دون التَّواتر.
وأمَّا دعوى: تواترها، كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله)، فلا تخلو من مجازفة.
اللَّهمّ إلَّا أن يكون مراده من التَّواتر: هو القطع بصدورها، ولو بالقرينة، فلا خلاف حينئذٍ.
ومهما يكن، فقد ذكرنا سابقاً ما يدلّ على ذلك.