46/04/18
الصوم
الموضوع: الصوم
قول الماتن: (والمولد)
المعروف بين الأعلام أنَّ يوم مولد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) السَّابع عشر من ربيع الأوَّل.
وقال الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب: (ولد بمكَّة يوم الجمعة السَّابع عشر من شهر ربيع الأوَّل في عام الفيل)[1] .
وقال الشَّيخ الكلينيّ (رحمه الله) في الكافي: (وُلِدَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي عَامِ الْفِيلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ الزَّوَالِ، وَرُوِيَ أَيْضاً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً).
ثمَّ قال: (وَبَقِيَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ...)[2] .
ولا يخفى عليك أنَّ هذا القول هو المشهور بين الجمهور من العامَّة.
ونقل عن الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) أنَّه مال إلى ذلك في حواشي القواعد.
ولكنَّه قال في المسالك: (ومولد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سابع عشر شهر ربيع الأوَّل)[3] .
وقال في الرَّوضة: (وهو عندنا سابع عشر شهر ربيع الأوَّل)[4] .
أقول: لا يوجد عندنا ما يدلُّ على أنَّ مولده الثَّاني عشر من ربيع الأوَّل.
- أدلَّة القول بكونه السَّابع عشر منه
وأمَّا القول الأوَّل -وهو المشهور-: فيدلُّ على ذلك، وعلى استحباب الصَّوم فيه، جملة من الرِّوايات:
منها: رواية إسحاق بن عبد الله العلويّ العريضيّ المتقدِّم بعضها عن أبي الحسن الثَّالث (عليه السَّلام) (قَاْل (عليهالسلام): يا أبا اسحاق! جئت تسألني عن الأيام الَّتي يُصام فيهنَّ؟ وهي أربعة: أوَّلهنّ يوم السَّابع والعشرين من رجب يوم بعث الله تعالى مُحمّداً (صلَّىاللهعليهوآله) إلى خلقه رحمةً للعالمين، ويوم مولده (صلىاللهعليهوآله)، وهو السَّابع عشر من شهر ربيع الأوَّل، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دُحيت الكعبة، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أخاه عليّاً (عليهالسلام) علماً للنَّاس وإماماً من بعده...)[5] .
قال صاحب الحدائق (رحمه الله): (وهذا الحديث، وإن ضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث، إلَّا أنَّه صحيح بالاصطلاح القديم؛ لإجماع الطَّائفة على العمل به قديماً وحديثاً، وهو جابر لضعف الخبر بتصريح أرباب هذا الاصطلاح، فإنَّه لا رادّ له، بل الكلّ قائل به)[6] .
وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ عمل الكلّ يجبر ضعف السَّند، بخلاف عمل المشهور، فإنَّه لا يجبره، وبما أنَّ الكلّ عمل به، فيكون دليلاً للاستحباب.
ومنها: مرسلة الشَّيخ في المصباح (قَاْل: وروي عنهم (عليهمالسلام) أنَّهم قالوا: مَنْ صام يوم سابع عشر من شهر ربيع الأوَّل كتب الله له صيام سنة).
وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: ما رواه سعيد بن هبة الله الرَّاونديّ في الخرائج والجرائح عن إسحاق بن عبد الله العلويّ العريضيّ (قَاْل: ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن (عليهالسلام)، وقدِ اختلفوا في الأيام الَّتي تصام في السَّنة، وهو مقيم بقرية قبل سيره إلى سرّ من رأى، فقال لهم: جئتم تسألوني عن الأيام الَّتي تصام في السَّنة؟ فقالوا: ما جئناك إلَّا لهذا، فقال: اليوم السَّابع عشر من ربيع الأوَّل، وهو اليوم الَّذي ولد فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) واليوم السَّابع والعشرون من رجب، وهو اليوم الَّذي بعث فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآله)، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة، وهو اليوم الَّذي دُحيت فيه الأرض تحت الكعبة، واليوم الثَّامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم الغدير)[7] .
وهي ضعيفة بالإرسال، وبجهالة الرَّاويّ.
ولكنَّك عرفت أنَّ الكلّ عمل بها، فيكون ذلك جابراً لضعف السَّند.
قال الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في مسار الشِّيعة: (قَاْل: في اليوم السَّابع عشر من ربيع الأوَّل كان مولد رسول الله (صلىاللهعليهوآله)، ولم يزل الصَّالحون من آل مُحمّد (عليهمالسلام) على قديم الأوقات يعظِّمونه، ويعرفون حقَّه، ويرعون حرمته، ويتطوّعون بصيامه)[8] .
(قَاْل: ورُوي عن أئمّة الهدى (عليهمالسلام) أنَّهم قالوا: مَنْ صام يوم السَّابع عشر من شهر ربيع الأوَّل، وهو مولد سيدنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله)، كتب الله له صيام سنة)[9] .
وهي ضعيفة بالإرسال.
وكذا غيرها.
والرِّوايات الواردة في هذه المسألة، وإن كانت كلّها ضعيفة السَّند، إلَّا أنَّك عرفت الجواب عن ذلك.
قول الماتن: (والغدير)
وهو اليوم الثَّامن عشر من ذي الحجَّة الَّذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السَّلام) إماماً للنَّاس وعلماً لهم.
قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (وهو قتل يوم عثمان بن عفَّان، وبايع المهاجرون والأنصار عليّاً (عليه السّلام) طايعين مختارين، ما خلا أربعة أنفس، منهم عبد الله بن عمرو، مُحمّد بن مسلم، وسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد...)[10] .
- الرِّوايات المستفيضة على استحباب صومه
والرِّوايات الواردة في فضله وتعظيمه واستحباب صومه مستفيضة جدًّا:
منها: رواية الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: قلتُ: جعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدَيْن؟ قَاْل: نعم، يا حسن، أعظمهما وأشرفهما، قَاْل: قلتُ: وأيّ يومٍ هو؟ قَاْل: يوم نصب أمير المؤمنين (عليهالسلام) فيه علماً للنَّاس، (قلت: جعلت فداك ، وأيّ يومٍ هو؟ قَاْل: إنَّ الأيام تدور، وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة) قلتُ: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قَاْل: تصومه يا حسن، وتكثر الصَّلاة على مُحمّد وآله، وتبرأ إلى الله ممَّنْ ظلمهم، فإنَّ الأنبياء كانت تأمر الأوصياء اليوم الَّذي كان يقام فيه الوصي أن يُتّخذ عيداً، قَاْل: قلتُ: فما لمَنْ صامه؟ قَاْل: صيام ستِّين شهراً...)[11] .
وهي ضعيفة بالقاسم بن يحيى، وجدّه الحسن بن راشد، فإنَّهما غير موثَّقَيْن.