< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (ولو أصبح جنباً، ولمَّا يعلم، انعقد المُعيَّن خاصَّة)

يقع الكلام في ثلاثة أمورٍ:

الأول: لو أصبح جنباً مع تعمُّد البقاء.

الثاني: لو أصبح جنباً من غير تعمد البقاء.

الثالث: لو أصبح جنباً من غير تعمد البقاء، مع علمه بالجنابة بعد الفجر، أي علم بعد الفجر أنَّ الجنابة كانت بالليل.

أما لو كانت الجنابة بعد الفجر، فيدخل ضمن الاحتلام في النهار، وسيأتي حكمه -إن شاء الله تعالى-.

أما الأمر الأول: فيظهر حكمه مما ذكرناه سابقاً عند قول المصنف (رحمه الله) في أوائل مبحث الصوم: ©والبقاء على الجنابة مع علمه ليلاً...®، حيث قلنا: إنَّ تعمد البقاء على الجنابة إلى طُلوع الفجر مبطلٌ لصوم رمضان وقضائه.

ولا فرق بين أن يبقى مستيقظاً إلى طلوع الفجر، أو ينام مع تعمد البقاء على الجنابة.

وأمَّا باقي أفراد الصَّوم، فلا يبطل بالبقاء على الجنابة عمداً إلى طلوع الفجر، وقد ذكرنا الأدلة بالتفصيل، فراجع.

وأمَّا الأمر الثاني: فيظهر حكمه أيضاً ممَّا ذكرناه في حكم النومة الأولى والثانية.

ففي النومة الأولى: لا يجب القضاء.

وأمَّا في النومة الثانية والثالثة، وهكذا: فيجب القضاء، ولا حاجة للإعادة.

ولكن هذا في غير قضاء شهر رمضان، وأمَّا في قضائه، فالمعروف بينهم أنَّ الإصباح جنباً من غير تعمد البقاء مع علمه بالجنابة ليلاً مبطل للصوم.

________________

(1) الوسائل باب42 من أبواب النجاسات ح5.

(2) الوسائل باب16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح4.

وقد استدل لذلك ببعض الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان ©قَاْل: كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام، وكان يقضي شهر رمضان، وقال: إنِّي أصبحتُ بالغُسْل، وأصابتني جنابةٌ، فلم اغتسل حتَّى طلعَ الفجرُ؟ فأجابه عليه‌السلام: لا تصم هذا اليوم، وصُم غداً®(1).

وهي صحيحة؛ إذ المراد بالحجال الموجود في السند هو الحسن بن علي أبو مُحمّد، أو عبد الله بن مُحمّد الأسدي، وكل منهما ثقة.

والمشهور أنَّ المراد به عبد الله بن مُحمّد الأسدي، كما لا يبعد، وهي واضحة الدلالة.

ومنها: صحيحته الأخرى ©أنَّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عَنِ الرَّجل يقضي شهرَ رمضان، فيجنب من أوَّل اللَّيل، ولا يغتسل حتَّى يجيء آخرُ اللَّيل، وهو يرى أنَّ الفجر قد طلع؟ قَاْل: لا يصوم ذلك اليوم، ويصوم غيره®(2).

وأمَّا الأمر الثالث -وهو ما لو أصبح جنباً من غير تعمد البقاء، مع علمه بالجنابة بعد الفجر، أي علم بعد الفجر أنَّ الجنابة كانت من اللَّيل، فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا يبطل صومه، إلَّا إذا كان يقضي من شهر رمضان، فإنَّه يبطل لو كان قضاؤه منه.

وقد استدلوا: بإطلاق صحيحتي عبد الله بن سنان المتقدمتين، فإنهما تشملان غير المتعمد، ولا تختصان بالمتعمد، فإنَّ قوله في الصَّحيحة الثانية: ©ولا يغتسل حتَّى يجيء آخر اللَّيل ®، مطلق يشمل ما لو ترك ذلك عن غير عمد، وكذا قوله في الصَّحيحة الأولى، فلم أغتسل حتَّى طلع الفجر، يشمل ما لو ترك ذلك من غير عمدٍ.

إن قلت: إنَّ ظاهر الصحيحتين أنَّه كان يعلم ذلك من اللَّيل، ومحل كلامنا ما لو علم بذلك بعد الفجر.

قلت: لا فرق من هذه الجهة بين المسألتين طالما أنَّ المناط في ذلك هو كونه تاركاً للغسل من غير تعمد، وهو يصدق على ما نحن فيه ، والله العالم.

    

قوله: (وفي الكفارة، وما وجب تتابعه، وجهان)

ذكر المصنف (رحمه الله) سابقاً أنَّه لو أصبح جنباً، ولما يعلم، انعقد المعين خاصة.

وأما بالنسبة لصوم الكفارة الَّذي يجب فيه التتابع، وكذا ما وجب فيه التتابع من الصوم غير الكفارة، فذكر أنَّ فيه وجهين:

الوجه الأول -أي الصحة-: أنَّه في حكم الصوم المعين؛ باعتبار وقوعه في خلال أيام يجب تتابعها شرعاً.

ووالوجه الثاني -أي الفساد-: فقد جعله الشهيد (رحمه الله) في المسالك هو الأجود؛ لانتفاء شرط صحته، وهو الطهارة.

ولكنك عرفت فيما ذكرناه أنَّ الصحيح هو صحة الصوم، وأنَّ الَّذي يفسد هو ما كان من قضاء شهر رمضان خاصة.

__________________

(1)و(2) الوسائل باب19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح2و1.

    

قوله: (وإن كان نفلاً، ففي رواية ابن بكير صحته، وإن علم بالجنابة ليلاً)

لو أصبح جنباً في صوم النافلة، فالمعروف بين الأعلام أنَّه يصح صومه.

وقيل: إنه لا يصح، ونسب هذا القول للشيخ والأصحاب.

ووجه عدم الصحة: هو إلحاقه بقضاء شهر رمضان؛ لعدم التعيين فيه، ولأنَّ الجنب غير قابلٍ للصوم في تلك الحال، والصوم لا يتبعّض.

وفيه: أنَّ الإلحاق -مع عدم الدليل عليه- لا يخرج عن القياس.

مع أنَّ هناك جملة من الروايات تقدم بعضها دلت على الصحة:

منها: موثقة ابن بكير ©قال: سألت أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرجل يجنب،ثمَّ ينام حتَّى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعاً؟ فقال: أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النَّهار...®(1).

ومنها: صحيحة حبيب الخثعمي ©قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السَّلام): أخبرني عن التطوع، وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل، فأعلم أني أجنبت، فأنام متعمداً حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا؟ قال: صم®(2).

وظاهرها أنَّه لو تعمد البقاء على الجنابة لا يضر بصحة الصَّوم ندباً، وهو الصحيح، كما ذكرناه سابقاً في أوائل مبحث الصَّوم عند قوله: ©والبقاء على الجنابة مع علمه ليلاً®، وقد بحثناه بالتفصيل، فراجع.

    

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo