< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (وحكم المُعيّن كذلك)

ذكر المُصنِّف (رحمه الله) ، وجماعة من الأعلام، أنَّ حكم المُعيّن مثل حكم شهر رمضان من حيث التّحرِّي عند الجهل إذا ظهر تأخُّره أو سبقه؛ بتقريب ما سبق.

ولكن سيأتي -إن شاء الله تعالى- قريباً أنَّ حُكمه ليس حكم شهر رمضان فيما لو ظنّ بالمُعيّن؛ إذ الظَّنّ ليس حُجّة إلَّا في بعض الموارد الَّتي قام الدَّليل عليها بالخصوص، وليس منها المُعيّن.

 

قوله: (ويجب على هذا في كلِّ سنةٍ شهرٌ بحسب ظنّه)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يجب على الجاهل بالشُّهور في كلِّ سنةٍ شهرٌ بحسب ظنِّه؛ لأنَّه مُكلَّفٌ بصيام شهر رمضان، فإنْ أمكنه تحصيل الظَّنّ به، فيعمل على طبقه لتعذُّر العلم.

ثمَّ إنِ استمرّ الاشتباه، أو ظهر موافقته للشَّهر، أجزأه؛ لأنَّه أدّى الغرض شرعاً، مع عدم ظُهور المُخالفة، فيجب الحكم بالإجزاء، وإن ظهر التّأخُّر فيُجزيه أيضاً، كما لو صام في ذي القعدة، فيكون قد أتى بالقضاء بعنوان الأداء، وإن ظهر التّقدُّم -كما لو صام رجب-، فلا يُجزيه، ولابُدّ من قضائه.

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل الإجماع في محكيّ التَّذكرة، والمُنتهى عليه...)، وفي المدارك: (وهذه الأحكام كلّها إجماعيّة على ما نقله العلَّامة في التَّذكرة والمُنتهى...).

أقول: مُقتضى القاعدة عدم حُجِّيّة الظَّنّ، فكيف يعمل بظنّه؟!

وعليه، فلو لم يقم دليل بالخُصوص على حُجِّيّة الظَّنّ في هذه المسألة لكان مُقتضى القاعدة هو العمل بالاحتياط لتنجُّز العلم الإجماليّ، حيث يعلم إجمالاً بوجوب صوم شهر من شُهور السَّنة، فلابُدّ من صوم كلّ الشُّهور، وإذا تعذَّر الاحتياط التَّامّ، أو تعسَّر، فيصوم إلى أن يحصل له التّعذُّر، أو التّعسُّر، ولا يسقط التَّكليف، هذا هو مقتضى القاعدة.

ولكن قام الدَّليل هنا بالخُصوص على حُجِّيّة هذا الظَّنّ -كما قام في الظَّنّ بالقبلة، والظَّنّ بعدد الرّكعات-.

والدَّليل هنا هو صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي الله عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: قلتُ له: رجلٌ أسرته الرُّوم، ولم يصحَّ له شهر رمضان، ولم يدرِ أيَّ شهرٍ هو؟ قَاْل: يصوم شهراً يتوخَّى ويحسب، فإن كان الشَّهر الَّذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه)(1)، يتوخَّاه، أي يتحرَّاه، ويظنّه.

ونحوها مرسلة المُقنعة عن الصَّادق (عليه السَّلام) (قَاْل: إنَّه سُئِل، عن رجل أسرته الرُّوم، فحُبِس، ولم يرَ أحداً يسأله، فاشتبهت عليه أُمور الشُّهور كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال: يتحرَّى شهراً فيصومه -يعني: يصوم ثلاثين يوماً- ثمَّ يحفظ ذلك، فمتى خرج أو تمكّن من السُّؤال لأحد، نظر، فإن كان الَّذي صامه كان قبل شهر رمضان لم يجز عنه، وإن كان هو هو فقد وُفِّق له، وإن كان بعده أجزأه)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

أضف إلى ذلك: أنَّ هناك تسالماً على العمل بالظَّنّ هنا.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ ذكر الأسير في الصَّحيحة إنَّما هو من باب المثال؛ إذ لا خصوصيَّة له عند العرف، كما لا خُصوصيَّة في كون الأسر من الرُّوم.

وعليه، فيتعدَّى إلى المحبوس ونحوه الَّذي لا يعرف شهر رمضان لسبب من الأسباب.

يبقى إشكال في المقام، وحاصله: أنَّ شرط صحَّة القضاء بنية التَّعيين، وهو لم ينوِ القضاء، وإنَّما نوى الأداء.

وفيه -مضافاً إلى أنَّه اجتهاد في مقابل النَّصّ-: أنَّه يمكن الجواب عنه بأنَّه ينوي الوجوب عمَّا في ذمَّته، فإنْ كان ذلك الشَّهر شهر رمضان أجزأه ذلك لما عرفت من الاكتفاء فيه بنيَّة القُربة؛ لأنَّه لا يقع فيه غيره، وإن كان ما بعده تعيُّن كونه قضاءً؛ لأنَّه هو الثَّابت في الذِّمّة.

وقدِ اتَّضح ممَّا تقدَّم: أنَّ حكم المُعيّن ليس كحكم شهر رمضان؛ إذ لا دليل على حُجِّيّة الظَّنّ في المُعيَّن؛ لأنَّ الدَّليل إنَّما قام في خصوص شهر رمضان.

وعليه، فحكم الظَّنّ في المُعيَّن حكم الشَّكّ، وسيأتي في المسألة الآتية حكم الشَّكّ.

قوله: (ولو فُقِد الظَّنّ تخيَّر)

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا لم يظنّ شهراً تخيَّر في كلّ سنةٍ شهراً مُراعياً للمطابقة بين الشَّهرَيْن في سنتَيْن بأنْ يكون بينهما أحد عشر شهراً؛ لئلَّا يعلم أنَّ أحد الشَّهرَيْن ليس رمضان.

وفي الجواهر: (لا خلاف فيه بينهم، بل ربَّما ظهر من بعضهم الإجماع عليه...)، وفي المدارك: (ولو لم يغلب على ظنّ الأسير شهراً فقد قطع الأصحاب بأنَّه يتخيّر في كلّ سنةٍ شهراً يصومه، وقال بعض العامَّة: لا يلزمه الصَّوم؛ لأنَّه لم يعلم دخول شهر رمضان، ولا ظنّه، وهو محتمل...).

________________

(1)و(2) الوسائل باب7 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1و2.

وفيه: أنَّه لا دليل قويّ على التَّخيير.

بل الإنصاف: أنَّ مقتضى العلم الإجماليّ بوجوب صوم شهر من شُهور السَّنة هو صوم كلّ الشُّهور؛ لأنَّ هذا مقتضى تنجيز العلم الإجماليّ، فيجب الإتيان بكلّ أطرافه.

نعم، إذا تعدّد الاحتياط، أو تعسَّر، فيدخل في مسألة الاضطرار إلى الإفطار في بعض أطراف العلم الإجماليّ غير المُعيَّن، وهذا الاضطرار لا يُوجب سُقوط التَّكليف الواقعيّ المُتعلَّق بالمعلوم بالإجمال؛ لأنَّ مُتعلَّق الاضطرار هو الجامع بين الأطراف بمُقتضى تعلُّقه بغير المُعيَّن منها، ومُتعلَّق التَّكليف هو صوم شهر رمضان.

وعليه، فما تعلَّق به الاضطرار ليس هو التَّكليف، والتَّكليف لم يتعلَّق به الاضطرار، فلا مُوجب لسُقوطه حينئذٍ، وإذا كان الأمر كذلك فيُقتصر في الإفطار على مقدار الضَّرورة، فإنَّها تقدر بقدرها.

والخلاصة: أن يتنزَّل من الاحتياط التَّامّ إلى الاحتياط النَّاقص، فيُقتصر على المقدار المُمكن، فإذا ارتفع الاضطرار بالإفطار في أربعة أشهر، مثلاً فيلزمه الصَّوم في الباقي.

هذا، هو الإنصاف في المسألة.

نعم، هذا الكلام مبنيٌّ على القول بعدم الحرمة الذَّاتيّة في صوم العيدَيْن -كما هو الصَّحيح عندنا، حيث قلنا: إن حرمتهما تشريعيّة لا ذاتيّة، أي أنَّ المُحرّم هو الصَّوم بعنوان أنَّه مأمور به من الشَّارع، فإذا صامه احتياطاً، كما في يوم الشَّكّ أنَّه عيد أم لا، فلا حرمة؛ إذ لا تشريع.

وأمَّا على القول بالحرمة الذَّاتيّة، فهو كما يعلم بوجوب صوم شهر رمضان يعلم أيضاً بحرمة صوم العيدَيْن، فمع تردُّد شهر رمضان بين الشُّهور يكون المقام من قبيل الدَّوران بين المحذورَيْن، وحينئذٍ يتخيَّر بين الصَّوم والإفطار، كما هو مقتضى حكم العقل عند الدَّوران بين المحذورَيْن.

والخُلاصة: أنَّ القول -مع فقد الظَّنّ- بالتَّخيير في تعيين الشَّهر، ليس تامّاً.

يبقى الكلام في أنَّه هل يجري أحكام شهر رمضان على ما ظنّه، والمراد بأحكام شهر رمضان من الكفَّارة والمُتابعة في الأيام، والفطرة، وصلاة العيد، وحرمة صومه ما دام الاشتباه باقياً، أم لا يجري شيء من ذلك، أو يفصّل في هذه الأمور.

ذهب كثير من الأعلام إلى إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنَّه، قال صاحب المدارك (رحمه الله): (وذكر الشَّارح وغيره أنَّ الشَّهر المظنون يتعلَّق به حُكم شهر رمضان من وجوب الكفَّارة بإفطار يوم منه، ووجوب متابعته، وإكماله ثلاثين لو لم يرَ الهلال، وأحكام العيد بعده من الصَّلاة والفطرة، وللمُناقشة في ذلك مجال؛ لأصالة البراءة من جميع ذلك، واختصاص النَّصّ بالصَّوم).

أقول: لا إشكال في ترتيب أحكام الصَّوم من الكفَّارة ونحوها على ما ظنَّه.

نعم، يشكل ترتيب ما هو من لوازم رمضان المظنون مثل وجوب الفطرة، وصلاة العيد، وحرمة صوم يوم العيد؛ إذ لا يُستفاد من النَّصّ هذه اللَّوازم.

وقوله (عليه السَّلام) في صحيحة عبد الرَّحمان المُتقدِّمة (ولم يصحَّ له شهر رمضان...)، ليس ظاهراً في تنزيل هذا الشَّهر المظنون منزلة شهر رمضان الواقعيّ.

وعليه، فهذه اللَّوازم لا تترتَّب على ما ظنّه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo