< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

أقول: الرِّوايات المتعلِّقة بهذه المسألة بلغت حدَّ التَّواتر، وفيها الصَّحيح والحسن والموثَّق والمعتبر والضَّعيف، ومجموع هذه الرِّوايات ثلاثون أو أكثر بقليل.والصَّحيح في المقام: هو القول المشهور، أي التخيير في تلك المواضع مع أفضليَّة الإتمام؛ وذلك جمعاً بين الرِّوايات الظَّاهرة في وجوب الإتمام، والرِّوايات الظَّاهرة في وجوب التقصير.ثمَّ إنَّ الرِّوايات الدَّالة على الإتمام في تلك المواضع جوازاً أو وجوباً هي متواترة أيضاً، وتبلغ خمساً وعشرين روايةً، وَلْنبدأ بها:

منها: صحيح حمَّاد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه قال: قَالَ: مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِ الله الْإِتْمَامُ فِي أَرْبَعِ مَوَاطِنَ: حَرَمِ الله، وَحَرَمِ رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله)، وَحَرَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَحَرَمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)».[1] والرِّواية صحيحة لوثاقة الحسن بن علي بن النُّعمان؛ إذِ التوثيق في كلام النَّجاشي راجع إليه، لا إلى أبيه. قال النجاشي: «الحسن بن علي بن النعمان: مولى بني هاشم أبوه عليّ بن النعمان الأعلم ثقة ثبت، له كتاب نوادر صحيح الحديث، كثير الفوائد، أخبرني ابن نوح عن البزوفري، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس عن الصفَّار عنه بكتابه». (انتهى كلامه). وعبارته ظاهرة في رجوع التَّوثيق إلى الابن لا إلى الأب، وإن كان الأب ثقة على ما وثَّقه النَّجاشي صريحاً في ترجمته. وأمَّا محمَّد بن خالد البرقي الموجود في السَّند، فقد وثَّقه الشَّيخ (رحمه الله).وأمَّا قول النَّجاشي: أنَّه «كان ضعيفاً في الحديث»، فلا يعارض توثيق الشَّيخ (رحمه الله)؛ لأنَّ الطَّعن المذكور إنَّما هو في رواياته، لا في نفسه، والفرق بينهما واضح.

ومنها: موثقة مسمع عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قَالَ: كَانَ أَبِي يَرَى لِهَذَيْنِ الْحَرَمَيْنِ مَا لَا يَرَاهُ لِغَيْرِهِمَا، وَيَقُولُ: إِنَّ الْإِتْمَامَ فِيهِمَا مِنَ الْأَمْرِ الْمَذْخُورِ».[2] ومسمع بن عبد الملك: أبو سيار، الملقَّب كردين، سيِّد المسامعة، وهو ثقة، وقال عنه النَّجاشي: «شيخ بَكْر بن وائل بالبصرة، ووجهاً، وسيَّد المسامعة، وكان أوجه من أخيه عامر بن عبد الملك وأبيه...». (انتهى كلامه).

ومنها: رواية معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إنَّ مِنَ الْمَذْخُورِ الْإِتْمَامَ فِي الْحَرَمَيْنِ».[3] وهي ضعيفة بعدم وثاقة إسماعيل بن مرار، ووجوده في تفسير عليّ بن إبراهيم لا ينفع؛ لِعدم كونه من مشايخه المباشرين.

ومنها: مرسلة الفقيه «قَاْلَ: قَاْلَ الصَّادق (عليه السلام): مِنَ الْأَمْرِ الْمَذْخُورِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَحَائِرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)».[4] وهي ضعيفة بالإرسال. والمراد: أنَّ الإتمام في هذه المواضع من الأسرار المختصَّة بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم التَّابعين لهم، وهو خاصّ بهم لم يوفَّق له سواهم من المخالفين، وأنَّه من ما ادَّخره الله تعالى لهم، وصار مخزوناً عن غيرهم، حيث لم يوفقوا له، ولم يطلعهم الله تعالى عليه.

ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار «قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام): الرِّوَايَةُ قَدِ اخْتَلَفَتْ عَنْ آبَائِكَ (عليه السلام) فِي الْإِتْمَامِ وَالتَّقْصِيرِ لِلصَّلَاةِ فِي الْحَرَمَيْنِ، فَمِنْهَا أَنْ يَأْمُرَ بِتَتْمِيمِ (تتم) الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَمِنْهَا أَنْ يَأْمُرَ بِتَقْصِيرِ (تقصر) الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَنْوِ مُقَامَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَلَمْ أَزَلْ عَلَى الْإِتْمَامِ فِيهِمَا إِلَى أَنْ صَدَرْنَا مِنْ حَجِّنَا فِي عَامِنَا هَذَا، فَإِنَّ فُقَهَاءَ أَصْحَابِنَا أَشَارُوا عَلَيَّ بِالتَّقْصِيرِ إِذَا كُنْتُ لَا أَنْوِي مُقَامَ عَشَرَةٍ، وَقَدْ ضِقْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَعْرِفَ رَأْيَكَ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ (عليه السلام): قَدْ عَلِمْتَ يَرْحَمُكَ الله فَضْلَ الصَّلَاةِ فِي الْحَرَمَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا، فَأَنَا أُحِبُّ لَكَ إِذَا دَخَلْتَهُمَا أَنْ لَا تَقْصُرَ، وَتُكْثِرَ فِيهِمَا مِنَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ مُشَافَهَةً : إِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِكَذَا فَأَجَبْتَ بِكَذَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: أَيَّ شَيْءٍ تَعْنِي بِالْحَرَمَيْنِ ، فَقَالَ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ».[5] يفهم من هذه الصَّحيحة أنَّ العمل بأخبار التقصير في تلك الأعصار كان لدى فقهاء أصحابنا أرجح. ويؤيِّده: ما حُكِي عن الشَّيخ الجليل جعفر بن محمَّد بن قُولُوَيْه (رحمه الله) في كتاب كامل الزِّيارات عن أبيه عن سعد بن عبد الله «قال: سألتُ أيّوبَ بنِ نوح عن تقصير الصّلاة في هذه المشاهد: مكّة، والمدينة، والكوفة، وقبر الحسين (عليه السلام) الأربعة، والَّذي روي فيها، فقال: أنا اُقصّر، وكان صَفوانُ يقصّر، وابن أبي عُمَير وجميع أصحابنا يُقصّرون».[6]

 

[1] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر، ح1.

[2] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر، ح2.

[3] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر، ح20.

[4] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر، ح26.

[5] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر، ح4.

[6] كامل الزيارات: باب 81 ح9.

الشيعة: باب 13 من أبواب اعداد الفرائض ونوافلها، ح12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo