< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(57)

 

قوله: (و نقل الشَّيخ: أنّهما تجبان في كلِّ زيادةٍ ونقصان، و لم نظفر بقائله ولا بمأخذه إلّا رواية الحلبيّ السَّالفة، و ليست صريحةً في ذلك، لاحتمالها الشَّكّ في زيادةِ الرَّكعات ونقصانها، أو الشَّكّ في زيادةِ فِعْلٍ أو نقصانِه، و ذلك غير المدَّعى؛ إلّا أنْ يقال: بأولويّة المدَّعى على المنصوص)

حُكِي عن الشَّيخ(رحمه الله) في الخلاف أنَّه نُسِب القول بوجوب السُّجود لكلِّ زيادةٍ ونقيصةٍ إلى بعض أصحابنا، وذكر المصنِّف هنا أنَّه لم نظفر بقائله.

وفي الجواهر: (إلَّا أنَّا لم نعرف قائلَه صريحاً قبل المصنِّف، بل أطلق في الدُّروس عدم معرفة قائله ومأخذه، كما أنَّه أطلق في الذَّخيرة والرِّياض أنَّ المشهور عدم الوجوب لذلك، من غير تقييد بين المتقدِّمِين أو غيرهم؛ لكن عن الجواهر المضيئة: أنَّ المشهور وجوبهما لكلِّ زيادة ونقصان، بل عن غاية المرام: أنَّ الذي عليه المتأخِّرون وجوبهما في كلِّ موضعٍ لو فَعَله أو تَرَكه عمداً بطلت صلاته...).

أقول: الظَّاهر أنَّ المصنِّف(رحمه الله) أراد بعدم الظَّفَر بقائله من القدماء الذين تعرَّض الشَّيخ لنقل أقوالهم، وإلَّا فهو بنفسه نقله في كتاب الذِّكرى -الذي صنَّفه قبل الدُّروس- عن العلَّامة واختاره، كما أنَّه هو مختاره أيضاً في اللمعة.

قال في الذِّكرى: (والفاضل(رحمه اللّٰه) اختار ذلك، وأضاف إليه القعود والقيام في غير موضعهما، والزِّيادة والنقيصة معلومةً كانت أو مشكوكة...وبالجملة: ما اختاره الفاضل أعدل الأقوال...)

ومهما يكن، فقد استُدلّ للقول بالوجوب بعدَّةِ روايات:

منها: مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله(عليه السلام)(قَالَ: تَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي كُلِّ زِيَادَةٍ تَدْخُلُ عَلَيْكَ أَوْ نُقْصَانٍ)(1).

وفيه: أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال، وبجهالة سفيان بن السَّمط.

لا يقال: إنَّ المرسل هنا هو ابن أبي عمير، ومراسيله مقبولة، كما هو المشهور عند الأعلام.

فإنَّه يُقال: إنَّ المشهور، وإن كان يعمل بمراسيله، إلَّا أنَّا ذكرنا في كتابنا علم الرِّجال أنَّ الأمر ليس كذلك، وذكرنا السبب في ذلك ، فراجع.

إن قلت: إنَّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع، والمعروف بين الأعلام جواز العلم بما يصحُّ عنهم، ولا يسأل عمَّنْ بعدهم.

وعليه، فلا يضرُّ جهالة سفيان بن السَّمْط.

وفيه: ما ذكرناه أيضاً هناك، فراجع.

والخلاصة: أنَّ الرِّواية ضعيفة السَّند.

ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا أنَّها صحيحة، إلَّا أنَّ كلَّ المتقدِّمِين أعرضوا عنها، حتَّى أنَّ المصنِّف (رحمه الله) هنا -أي في الدروس- لم يعتمد عليها، مع أنَّه من المتأخرين، وإنَّما ذكر صحيحة الحلبي.

وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ إعراض المشهور من المتقدِّمِين وإن كان لا يُوجب الوَهْن، إلَّا أنَّ إعراض كلِّ المتقدِّمِين يُوجِب سقوطها عن الحجيَّة.

ومنها: صحيحة الحلبي المتقدِّمة عن أبي عبد الله(عليه السلام)(أَنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ أَرْبَعاً صَلَّيْتَ أَمْ خَمْساً، أَمْ نَقَصْتَ أَمْ زِدْتَ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ، وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بِغَيْرِ رُكُوعٍ وَلَا قِرَاءَةٍ، تَتَشَهَّدُ فِيهِمَا تَشَهُّداً خَفِيفاً)(2).

_________________

(1) الوسائل باب32 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح3.

(2) الوسائل باب14 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4.

 

وقدِ استُشكل على الاستدلال بهذه الصَّحيحة بأنَّها ظاهرة في الشَّكّ في الزِّيادة أو النَّقيصة، ومحلّ البحث هو العلم بالزيادة أو النقيصة.

وقد أجيب عن ذلك: بأولويَّة العلم من الشَّكّ، أو بعدم القول بالفَصْل صريحاً.

وذكر جماعة من الأعلام أنَّ الصَّحيحة موردها العلم الإجمالي بالزِّيادة أو النَّقيصة، أي أنَّ الشَّكّ في خصوصيَّة الزِّيادة والنُّقصان بعد القطع بأحدهما، لا الشَّكّ في أصل وقوعِ كلٍّ منهما وعدمه.

وعليه، فيكون السُّجود للعلم بوقوع مقتضيه، فتكون داخلةً في محلِّ الكلام.

ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّ الصَّحيحة ظاهرة في الشَّكّ في زيادة الرَّكعة أوِ الشَّكّ في نقصانها من الفريضة، أي أنَّ الشَّكّ بدويٌّ ومخصوص بالرَّكعات، لا بكلِّ زيادةٍ أو نقيصةٍ.

ومنها: موثَّقة عمَّار المتقدِّمة (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عليه السَّلام) عَنِ السَّهْوِ، مَا يَجِبُ فِيهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَقُمْتَ، أَوْ أَرَدْتَ أَنْ تَقُومَ فَقَعَدْتَ، أَوْ أَرَدْتَ أَنْ تَقْرَأَ فَسَبَّحْتَ، أَوْ أَرَدْتَ أَنْ تُسَبِّحَ فَقَرَأْتَ، فَعَلَيْكَ سَجْدَتَا السَّهْوِ، وَلَيْسَ‌ فِي شَيْ‌ءٍ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ الصَّلَاةُ سَهْوٌ...)(1).

وموردها، وإن كان هو القعود والقيام والقراءة والتسبيح إلَّا أنَّه تعمَّم لكلِّ زيادةٍ ونقصانٍ بعدم القول بالفصل.

ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّ صدر الموثَّقة معارَض بما في ذَيْلها، حيث قال: (وَعَنِ الرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ فَقَامَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقَدِّمَ شَيْئاً، أَوْ يُحْدِثَ شَيْئاً؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِشَيْ‌ءٍ...).

والمراد من التكلُّم: هو الكلام الآدمي.

وعليه، فيدلُّ هذا الذَّيْل على عدم وجوب السَّجدتين فيتعارضان، وأيضاً قوله(عليه السلام): (وَلَيْسَ‌ فِي شَيْ‌ءٍ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ الصَّلَاةُ سَهْوٌ)، ينافي الصَّدْر، لأنَّ ظاهره أنَّه لو نسي شيئاً من الصَّلاة، ثمَّ ذكر وتداركه في الصَّلاة لا يكون ذلك موجباً السُّجود السَّهو.

ومهما يكن، فلا يصحّ الاستدلال بالموثَّقة.

وأمَّا صحيحة صفوان بن مهران الجمال عن أبي عبد الله(عليه السلام)( قَالَ‌: وَسَأَلْتُهُ عَنْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؟ فَقَالَ: إِذَا نَقَصْتَ فَقَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا زِدْتَ فَبَعْدَهُ‌)(2).

وكذا صحيحة سَعْد بن سَعْد الأشعري (قَالَ: قَالَ الرِّضَا(عليه السَّلام) فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: إِذَا نَقَصْتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا زِدْتَ فَبَعْدَهُ. )(3).

فيرد عليهما أوَّلاً: أنَّه لم يعمل بمضمونها أحد من الأعلام إلَّا ما حكي عن ابن الجنيد (رحمه الله)، ومخالفته لا تضرّ.

وثالثاً: أنَّهما غير ظاهرين في العموم؛ لأنَّهما وردتا في مورد حكم آخر، وهو بيان المحل.

وثالثاً: أنَّه لا دلالة في الصَّحيحتين على الوجوب، ومن الممكن كون تشريعهما على سبيل الاستحباب؛ هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ لقول بالوجوب، وقد عرفت ما فيه.

ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا تماميَّة الأدلَّة المتقدِّمة، وقطعنا النَّظر عن الإشكالات الواردة عليها، إلَّا أنَّه هناك روايات كثيرة منافية لها.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo