< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(53)

قوله: (وتجب المُرْغِمَتان لما سَبَق)

المرغمتان: هما سجدتا السَّهو، سمَّاهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) بذلك -كما ذكرنا سابقاً-.

وأمَّا وجوبهما لما سبق: فالذي سَبَق عند المصنِّف(رحمه الله) هو فيما لو شكَّ بين الأربع والخمس، فتجبان حينئذٍ، وكذا لو شكَّ بين الثلاث والأربع والخمس، وبين الإثنين والأربع والخمس، وبين الإثنين والثلاث والأربع والخمس.

وأمَّا عندنا، فتجبان للشَّكِّ بين الأربع والخمس على الأحوط وجوباً، وللشَّكِّ بين الأربع والسِّتّ؛ هذا ما تقدَّم عندنا.

وأمَّا الشَّكّ بين الثلاث والأربع والخمس، وكذا بين الإثنين والأربع والخمس، وبين الإثنين والثلاث والأربع والخمس، فقد تقدَّم أنَّه لا تجبان لذلك، خلافاً للمصنِّف(رحمه الله)، فراجع ما ذكرناه.

قوله: (ولقضاء السَّجدة المنسيَّة، والتَّشهد)

أقول: قد ذكرنا سابقاً عند قول المصنِّف(رحمه الله): (ويقضي بعد التسليم التَّشهُّد والسَّجدة)، أنَّه يجب قضاء السَّجدة المنسيَّة، ولكن لا تجب سجدتا السَّهو.

وقلنا: إنَّه لا يجب قضاء التَّشهُّد المنسيّ، ولكن تجب سجدتا السَّهو، فراجع ما ذكرنا من الأدلَّة التفصيليَّة.

قوله: (وللكلام سهواً)

المعروف بين الأعلام أنَّه مَنْ تكلَّم بكلام الآدمي في الصَّلاة سهواً فيجب عليه سجدتا السَّهو.

وفي الجواهر: (على المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً نقلاً وتحصيلاً، بل في الفقيه والمنتهى، وعن ظاهر الشَّافية وصريح النجيبيَّة، بل وآراء التلخيص، على ما عن غاية المراد الإجماع عليه...).

وفي الحدائق : (والمشهور بين الأصحاب وجوبهما، بل نقل العلَّامة في المنتهى إجماع الأصحاب عليه، إلَّا أنه نُقِل في الذَّخيرة عن المختلف والذكرى أنَّهما نقلا خلاف ابني بابويه في ذلك...).

هذا، وقد شكَّك صاحب الحدائق(رحمه الله) في نسبة الخلاف إلى الصَّدوقين(رحمهما الله)، بل مال إلى عدم مخالفتها، وهو في محله، إذ عبارة الصَّدوق(رحمه الله) ظاهرة عند التأمُّل بوجوب السُّجود عند الكلام ساهياً.

وأمَّا عبارة والده (رحمه الله)، فلا يفهم منها المخالفة للقوم.

ومهما يكن، فقدِ استُدلَّ للمشهور بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه‌السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ نَاسِياً فِي الصَّلَاةِ، يَقُولُ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ؟ فَقَالَ: يُتِمُّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ...)(1).

وقوله: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ)، هو من باب المثال، فتكون الصَّحيحة دالَّة على السُّجود لمطلق الكلام الآدمي، لا لخصوص قوله: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ).

ومنها: صحيحة ابن أبي يعفور (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه‌السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي رَكْعَتَيْنِ صَلّى، أَمْ أَرْبَعاً؟ -إلى أنْ قال في ذَيْل الرِّواية:- وَإِنْ تَكَلَّمَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)(2).

ومنها: موثَّقة عمَّار بن موسى (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عليه السَّلام) عَنِ السَّهْوِ، مَا يَجِبُ فِيهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ؟ -إلى أن قال:- وَعَنِ الرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ فَقَامَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقَدِّمَ شَيْئاً، أَوْ يُحْدِثَ شَيْئاً؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِشَيْ‌ءٍ...)(1)؛ وهي ظاهرة في وجوب السَّجدتين بالتَّكلُّم.

وأمَّا المناقشة في هذه الموثَّقة: بأنَّه يحتمل أن يكون المراد بالتكلُّم فيها هي الأذكار التي هي من أفعال الصَّلاة، أي حتَّى يسبِّح أو يقرأ ما يجب فعله بعد القيام أو القعود، وليس المراد بالتكلُّم الكلام الآدمي، وعليه فتكون الموثَّقة دليلاً للقول بوجوب السَّجدتين لكلِّ زيادة، وتخرج عمَّا نحن فيه؛ فغير واردة، لأنَّه لم يتعارف في الأخبار إطلاق التكلُّم على التسبيح أو القراءة، أي ما كان ذكراً في الصَّلاة، بل المتعارف إطلاقه على الكلام الآدمي.

ومهما يكن، فإن تمَّت دلالة هذه الموثَّقة فيها، وإلَّا فتكفينا الصَّحيحتان المتقدِّمتان.

ومنها: صحيحة سعيد الأعرج (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام يَقُولُ: صَلّى رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، ثُمَّ سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلَهُ مَنْ خَلْفَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ! أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْ‌ءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا : إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: أَكَذلِكَ يَا ذَا الْيَدَيْنِ؟ -وَكَانَ يُدْعى ذَا الشِّمَالَيْنِ- فَقَالَ : نَعَمْ، فَبَنى عَلى صَلَاتِهِ، فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعاً -إلى أن قال:- وَسَجَدَ‌ سَجْدَتَيْنِ؛ لِمَكَانِ الْكَلَامِ)(2).

ومثلها جملة من الرِّوايات واردة في سهو النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) في صلاة الظُّهر وتسليمه على الرَّكعتين، كموثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام: مَنْ حَفِظَ سَهْوَهُ فَأَتَمَّهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) صَلّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَهَا فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ‌ ذُو الشِّمَالَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَزَلَ فِي الصَّلَاةِ شَيْ‌ءٌ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): أَتَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ، وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ...)(3).

ويرد على هذه الرِّوايات المشتملة على سهو النَّبي (صلى الله عليه وآله) عدَّة إشكالات:

أوَّلاً: أنَّها مخالفة لأصول المذهب، فلا يمكن الاستدلال بها.

وثانياً: أنَّها معارضة في موردها بموثَّقة زرارة (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عليه السَّلام) هَلْ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَطُّ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا يَسْجُدُهُمَا فَقِيهٌ)(4)*، قوله: (وَلَا يَسْجُدُهُمَا فَقِيهٌ)، أي معصوم، والله العالم.

وثالثاً -مع قطع النَّظر عمَّا ذكرناه-: أنَّه لم يتعرَّض فيها أنَّ السَّجود هل هو للكلام أو للسَّلام الواقع في غير محلِّه.

نعم، في صحيحة سعيد الأعرج صرَّح بأنَّ السُّجود لمكان الكلام، بخلاف باقي الرِّوايات فإنَّه لم يتعرَّض فيها كونه للكلام، أو للسَّلام الواقع في غير محلِّه.

ورابعاً: أنَّه لا دلالة فيها على الوجوب؛ لأنَّها حكاية فِعْل، والفِعْل مجمل من حيث الوجوب والاستحباب.

وأمَّا ما حُكِي عن الصَّدوقين (رحمهما الله) من القول: بعدم الوجوب، فقد يستدل لهما بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (فِي الرَّجُلِ يَسْهُو فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَتَكَلَّمُ، قَالَ: يُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ)(5).

_____________

(1) الوسائل باب32 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

(2)و(3) الوسائل باب3 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح6و11.

(4) الوسائل باب3 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح13.

(5) الوسائل باب3 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.

(*) قال الشَّيخ الطُّوسِيُّ (رحمه الله) في ذَيْل هذا الحديث: (الَّذِي أُفْتِي بِهِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْخَبَرُ؛ فَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ(صلى الله عليه وآله) سَهَا فَسَجَدَ، فَإِنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلْعَامَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِأَنَّ مَا تَتَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مَعْمُولٌ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) [التهذيب -ط الكتب الإسلاميَّة، طهران-: ج2/ ص358]

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo