< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(23)

 

وقدِ استُدلَّ أيضاً بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة أبي العبَّاس عن أبي عبد الله -عليه السلام- (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَوْ أَرْبَعاً، وَوَقَعَ رَأْيُكَ عَلَى الثَّلَاثِ، فَابْنِ عَلَى الثَّلَاثِ؛ وَإِنْ وَقَعَ رَأْيُكَ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَابْنِ عَلَى الأَرْبَعِ، فَسَلِّمْ وَانْصَرِفْ؛ وَإِنِ اعْتَدَلَ وَهْمُكَ فَانْصَرِفْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ)(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله -عليه السلام- (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً، وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلى شَيْ‌ءٍ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، وَسَلِّمْ...)(2)، ونحوهما غيرهما.

والمراد من الوهم هنا: هو الظَّنّ، كما لا يخفى، لا المعنى المعروف منه، ولا العلم قطعاً.

ولا يخفى أنَّ الموجود في الرِّوايات المستدلِّ بها هنا هو الشَّكّ بين الثلاث والأربع، كما في صحيحة أبي العبَّاس، والشَّكّ بين الإثنتين والأربع، كما في صحيحة الحلبي.

وأمَّا سائر الشُّكوك في الرِّكعتين الأخيرتَيْن -كالشَّكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع، أو بين الثلاث والأربع والخمس، أو بين الأربع والخمس ونحوها- فهو غير موجود.

ولكنْ يستفاد حكمها من باب عدم القول بالفَصْل، إذ لم يفصِّل أحد من الأعلام على الإطلاق.

ومن هنا، كان الأنسب الاستدلال لسائر الشُّكوك في الأخيرتين والأولتين أيضاً: بصحيحة صفوان عن أبي الحسن -عليه السلام- ( قَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي كَمْ صَلَّيْتَ، وَلَمْ يَقَعْ وَهْمُكَ عَلى شَيْ‌ءٍ، فَأَعِدِ الصَّلَاةَ)(3).

ومفهوم الشَّرط هو عدم وجوب الإعادة لدى وقوع الوهم على شيء، وقد عرفت أنَّ المراد من الوهم هنا هو الظَّنّ.

والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا إشكال في حجيَّة الظَّنّ في الرِّكعتين الأخيرتَيْن، والمراد مطلق الظَّنّ، سواء القويّ منه، أم الضَّعيف.

وتعبير جماعة من الأعلام بـ (غلبة الظَّنّ) إنَّما هي لمناسبة المحلّ، وإلَّا فالمراد مطلق الظَّنّ قويّاً كان أو ضعيفاً، حاصلاً من أوَّل الأمر أو بعد التروِّي، سواء كان مصحِّحاً - كما لو شكَّ بين الأثنتين والثلاث، وظنَّ الثلاث، بنى عليه من غير احتياط، وكذا لو شكَّ بين الأربع والخمس، فظنَّ الأربع بنى عليه، ولم يجب سجود السَّهو- أم كان الظَّنّ مُفسِداً، كما لو شكَّ بين الأربع والخمس فظنَّ كونها خمساً فهو كما لو زاد ركعةً.

ثمَّ إنَّه حُكِي عن عليِّ بن بابويه -والد الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله- أنَّه قال في الشَّكّ بين الإثنتين والثلاث: (إنْ ذهب الوهم إلى الثالثة أتمَّها رابعة، ثمَّ احتاط بركعة، وإنْ ذهب الوهم إلى الاثنتين بنى عليه، وتشهد في كلِّ ركعة، وسجد للسَّهو).

وظاهره أنَّه يجب الاحتياط مع حصول الظَّنّ، ولكنَّه لا دليل عليه، فهو ضعيف جدًّا، ولا يضر بحصول التسالم على خلافه.

وحُكِي عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إيجاب سجدتي السَّهو مَنْ شكَّ بين الثلاث والأربع، وظنَّ الأربع.

وتشهد له حسنة الحلبي عن أبي عبد الله -في حديث- قال: (وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً؟ وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلى شَيْ‌ءٍ، فَسَلِّمْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ‌ جَالِسٌ، تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْكِتَابِ؛ وَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الثَّلَاثِ، فَقُمْ، فَصَلِّ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ، وَلَا تَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؛ فَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الْأَرْبَعِ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ، ثُمَّ اسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)(4).

وفيه: أنَّه يحمل على الاستحباب جمعاً بين الأخبار.

وأمَّا إعراض المشهور عنه، فقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ إعراض مشهور المتقدِّمِين لا يُوجِب الوهن.

ثمَّ إنَّه بقي الكلام في بعض الرِّوايات الظَّاهرة في عدم حجيَّة الظَّنّ في الرِّكعتَيْن الأخيرتَيْن:

منها: رواية محمَّد بن مسلم (قَالَ: إِنَّمَا السَّهْوُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَ(فِي) الْأَرْبَعِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَمَنْ سَهَا وَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثاً صَلّى أَمْ أَرْبَعاً، وَاعْتَدَلَ شَكُّهُ؟ قَالَ: يَقُومُ فَيُتِمُّ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ؛ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ إِلَى الْأَرْبَعِ، تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ قَرَأَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ؛ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ الثِّنْتَيْنِ، نَهَضَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ)(5).

وفيها أوَّلاً: أنَّها لم تثبت كونها روايةً عن المعصوم -عليه السلام-، ولعلَّها فتوًى من ابن مسلم.

وبالجملة، فلم يُعْلم أنَّ الذي قال هو المعصوم -عليه السلام- أو ابن مسلم؟

وثانياً: أنَّها مخالفة للقاعدة المتَّفق عليها بين الأعلام، وهي البناء على الأكثر.

ولكن في هذه الرِّواية حُكْمٌ بالبناء على الأقلِّ، حيث حكم في مَنْ شكَّ بين الثلاث والأربع، واعتدل شكُّه، بأنَّه يقوم فيتمّ، ثمَّ يجلس فيتشهَّد ويسلِّم ويصلِّي ركعتَيْن، وأربع سجدات، وهو جالس؛ وهو ظاهر في أنَّه يبني على الأقلِّ ويتمُّ صلاته.

أضف إلى ذلك: أنَّه لا مقتضى للاحتياط هنا؛ لأنَّ الاحتياط إنَّما هو لِتدارك النقص المحتمل.

وبعد البناء على الأقلِّ لا يحتمل النقصان، وإنَّما يحتمل الزِّيادة.

ومنها: موثَّقة أبي بصير (قَالَ:سَأَلْتُهُ -عليه السلام- عَنْ رَجُلٍ صَلَّى، فَلَمْ يَدْرِ أَفِي الثَّالِثَةِ هُوَ أَمْ فِي الرَّابِعَةِ؟ قَالَ: فَمَا ذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَيْهِ، إِنْ رَأَى أَنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ، وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الرَّابِعَةِ شَيْ‌ءٌ، سَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)(6)، ومضمرات أبي بصير مقبولة.

وفيه: أنَّه بعد التسالم على حجيَّة الظَّنّ في الرِّكعتَيْن الأخيرتَيْن يردُّ علمها إلى أهلها.

___________

(1) الوسائل باب7 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(2) الوسائل باب11 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(3) الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(4) الوسائل باب10 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.

(5) الوسائل باب10 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4.

(6) الوسائل باب10 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح7.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo