< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(14)

ويشهد لِعدم الحكم للشَّكِّ مع كثرته جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قَالَ: إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ، فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَدَعَكَ؛ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ)(1)؛ والمراد من السَّهو هو الشَّكّ، كما سيتضح لك -إنْ شاء الله تعالى-.

ومنها: صحيحة ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام (قَاْلَ: إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ، فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ)(2).

والظَّاهر أنَّ المراد بابن سنان هو عبد الله الثقة، ولا يضرُّ الإرسال هنا، لأنَّه يستبعد جداً أنْ لا يوجد ثقة في قوله: (غير واحد).

ومنها: رواية عليِّ بن أبي حمزة عن رجل صالح عليه السلام (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَشُكُّ، فَلَا يَدْرِي وَاحِدَةً صَلَّى، أَوِ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثاً، أَوْ أَرْبَعاً، تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ؟ قَالَ: كُلُّ ذَا، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلْيَمْضِ فِي صَلَاتِهِ، وَيَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ)(3)، وهي ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة البطائني.

ومنها: موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (فِي الرَّجُلِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ فِي الصَّلَاةِ، فَيَشُكُّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَا يَدْرِي أَرَكَعَ أَمْ لَا؟ وَيَشُكُّ فِي السُّجُودِ، فَلَا يَدْرِي أَسَجَدَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَا يَسْجُدُ، وَلَا يَرْكَعُ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ يَقِيناً)(4).

ومنها: مرسلة الفقيه (قال: قَالَ: الرِّضَا عليه السلام:‌ إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ، فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ، وَلَا تُعِدْ)(5)، وهي ضعيفة بالإرسال، وقد عرفت أنَّ المراد من السَّهو هو الشَّكُّ.

ومنها: حسنة زرارة وأبي بصير جميعاً (قَالَا : قُلْنَا لَهُ: الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ، حَتّى لَايَدْرِيَ كَمْ صَلّى، وَلَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يُعِيدُ، قُلْنَا لَهُ: فَإِنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ ذلِكَ، كُلَّمَا أَعَادَ شَكَّ؟ قَالَ: يَمْضِي فِي شَكِّهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِنَقْضِ الصَّلَاةِ؛ فَتُطْمِعُوهُ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ مُعْتَاْدٌ (يَعْتَادُ) لِمَا عُوِّدَ، فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ، وَلَايُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذلِكَ مَرَّاتٍ، لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ الشَّكُّ؛ قَالَ زُرَارَةُ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ، فَإِذَا عُصِيَ لَمْ يَعُدْ إِلى أَحَدِكُمْ)(6)؛ والمراد من الوهم: هو الشَّكُّ.

ثمَّ إنَّه لا منافاة بين صدر هذه الحسنة، وذيلها، لأنَّ المراد من الكثرة في الصَّدر أحد أمرين: إمَّا كثرة أطراف الشَّك ومحتملاته، وإن ْكان شكّاً واحداً، كأنْ يشكَّ لا يدري واحدةً صلَّى، أم اثنتين، أم ثلاثاً، أم أربعًا، ومِنْ ثَمَّ أمره بالإعادة.

وإمَّا أنْ يراد من يكثر عدد شكِّه بالإضافة إلى الأفراد العاديين، وإنْ لم يبلغ مرتبة كثير الشَّكِّ بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء.

وبالجملة، فليس المراد بقوله في صدر الحسنة (الرَّجل يشك كثيراً في صلاته)، كثرة أفراد الشَّكِّ الذي هو محلُّ الكلام، فإنَّه لا إعادة معه اتِّفاقًا نصّاً وفتوًى.

الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّ كثير الشَّك لا يجوز له أن يعتني بشكِّه.

وعليه، فالبناء على وقوع المشكوك فيه على نحو العزيمة.

واحتمل المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى أنَّ ذلك على نحو الرُّخصة لا العزيمة، قال فيها: (لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شكَّ فيه، فالظَّاهر بطلان صلاته؛ لأنَّه في حكم الزِّيادة في الصَّلاة متعمِّداً، إلَّا أنْ نقول: هذا رخصة؛ لقول الباقر عليه السلام: فامضِ على صلاتك، فإنَّه يوشك أنْ يدعك الشَّيطان، وأنَّ الرُّخصة هنا غير واجبة).

وحكى صاحب الجواهر رحمه الله عن السَّهويَّة المنسوبة للمحقِّق الثاني رحمه الله (التخيير لكثير السَّهو بين البناء على وقوع المشكوك فيه، وبين البناء على الأقلِّ، ويتمّ صلاته...).

وحكى القول بالتخيير وأنَّ الحكم بالمضي من باب التوسعة والتسهيل، عن المحقِّق الأردبيلي رحمه الله أيضاً.

أقول: قد يستدلّ للقول بالتخيير، وأنَّ المضي على المشكوك فيه على نحو الرُّخصة، بدليلَيْن:

الأوَّل: أنَّ القول بالتخيير هو مقتضى الجمع بين صدر حسنة زرارة وأبي بصير المتقدِّمة، وذيلها، وبحمل الأمر بالإعادة في الصَّدر وبالمضي في الذَّيْل على التخيير.

وفيه: ما ذكرناه من أنَّ المراد بقوله في الصَّدر (الرَّجل يشك كثيراً)، غير قوله في الذَّيْل: (فإنَّه يكثر عليه ذلك كلَّما أعاد الشَّكّ)، فراجع ما ذكرناه.

الدَّليل الثاني: أنَّ الأمر بالمضي في الرِّوايات وارد مورد توهُّم الحظر، باعتبار أنَّ المضيّ على الشَّكّ ممنوع بمقتضى استصحاب عدم الإتيان.

وعليه، فلا يدلُّ الأمر إلَّا على نفي الحظر، أي يدلُّ على الجواز فقط.

وفيه: أنَّ الأمر، وإن كان كذلك، إلَّا أنَّه هنا خصوصيَّة تمنع من ذلك، وهي اشتمال الرِّوايات على قوله عليه السلام (إنَّما هو من الشَّيطان)، وقوله عليه السلام : (ولا تعوِّدوا الخبيث...)، ونحو ذلك من الخصوصيَّات، فإنَّ هذا آبٍ عن الحمل على الرُّخصة، إذ لا معنى للترخيص في إطاعة الشَّيطان.

____________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5)و(6) الوسائل باب16 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و3و4و5و6و7.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo