< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(11)

نعم، لو كان ذلك الشَّيء مثل القراءة والتشهُّد، ونحوه، ممَّا يجوز فعله في أثناء الصَّلاة مطلقاً، ما لم ينوِ التشريع، جاز الإتيان به برجاء المطلوبيَّة، أو بنيَّة القربة المطلقة برجاء إصابة الواقع، وإن لم يكن أمره منجَّزاً عليه، بخلاف مثل الرُّكوع والسُّجود الذي لا تجوز زيادته عمداً حتَّى مع نية الاحتياط.

قوله: (ولو تبيَّن فعله بطلت، إنْ كان ركناً، إلَّا الرُّكوع إذا لم يرفع رأسه، على قول قويٍّ)

ذكرنا سابقاً عند الكلام عن أفعال الصَّلاة حكم زيادة الأركان ونقصانها سهواً، فراجع ما ذكرناه عند تكبيرة الإحرام، والنيَّة، والقيام الذي عنه يركع، والرُّكوع والسُّجود، فإنَّ كلَّ أحكام هذه الأمور ذكرناها بالتفصيل، ولا حاجة للإعادة.

وأمَّا ما ذكره المصنِّف رحمه الله: من عدم البطلان فيما لو استدرك الرُّكوع؛ لِشكِّه فيه في محلِّه، ثمَّ ذكر قبل رفع رأسه أنَّه قد أتى به، فقد حكاه عن الشَّيخ رحمه الله والسَّيِّد المرتضى رحمه الله وجماعة، منهم أبو الصَّلاح رحمه الله وابن إدريس رحمه الله.

ثمَّ قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (وهو قويّ؛ لأنَّ ذلك، وإن كان بصورة الرُّكوع ومنويّاً به الرُّكوع، إلَّا أنَّه في الحقيقة ليس بركوع؛ لتبين خلافه، والهويُّ إلى السُّجود مشتمل عليه، وهو واجب، فيتأدَّى الهويُّ إلى السُّجود به، فلا تتحقَّق الزِّيادة حينئذٍ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الرُّكوع، فإنَّ الزيادة حينئذٍ محقَّقة؛ لافتقاره إلى هوي إلى السُّجود...).

وممَّن ذهب إلى عدم البطلان ثقة الإسلام الكُلَيْني وابن إدريس، وابنا حمزة وزهرة، وصاحب المدارك (رحمهم الله)، فإنَّه بعد أنْ نقل عبارة الذِّكرى، قال: (ولا يخفى ضعف هذا التوجيه؛ نعم، يمكن توجيهه: بأنَّ هذه الزِّيادة لم تقتضِ تغييراً لهيئة الصَّلاة، ولا خروجاً عن الترتيب الموظَّف، فلا تكون مبطلةً، وإنْ تحقق مسمَّى الرُّكوع؛ لانتفاء ما يدلُّ على بطلان الصَّلاة بزيادته على هذا الوجه من نصٍّ وإجماع...).

أقول: قد يوجَّه كلام المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، بأنَّ مراده بقوله: إنَّه في الحقيقة ليس بركوع، أي إنَّه ليس بركوع صحيح ممضًى شرعاً، بحيث يقع بهذا العنوان جزءاً من صلاته، لا أنَّه لا يتحقَّق به مسمَّى الرُّكوع عرفاً؛ فغرضه أنَّ فعله الذي أتى به بعنوان كونه ركوعاً قدِ انكشف عدم صحَّته بهذا العنوان، ولكنَّه من حيث هو -لا بهذا العنوان- كان واجباً عليه؛ لكونه بعضاً من الهويِّ الواجب، وحيث إنَّ وجوب الهويِّ مقدَّمي، لا تتوقَّف صحَّته على هذا القصد، فله أن يصرف الانحناء الذي قصد به الرُّكوع عند انكشاف استغنائه عن الرُّكوع -ما لم يرفع الرَّأس عنه- إلى الهويِّ، ومتى صرفه إلى الهويِّ لا تتحقَّق الزِّيادة في صلاته، إذِ الزِّيادة إنَّما هو في الأفعال لا بمحض القصد، ولم يتحقَّق هنا فعل زائد على ما وجب عليه، عدا أنَّه أوقع بعضه على غير وجهه، بأنْ قصد الرُّكوع ببعض هويِّ السُّجود، وهو غير مانع عن صحَّته هويّاً.

ولكنَّ الإنصاف: هو ما ذهب إليه معظم الأعلام من البطلان؛ لما هو معلوم من أنَّ كلَّ مَنْ زاد ركناً فصلاته باطلة.

والظَّاهر أنَّ هذه الكبرى متَّفق عليها، وإنَّما الكلام في الصُّغرى، وهو كون هذا من الرُّكوع، أو لا؟

قد يقال: إنَّه ليس ركوعاً؛ لأنَّ الرُّكوع مأخوذ فيه رفع الرَّأس، ولهذا لو ذكر بعد رفع رأسه بطلت صلاته بالاتِّفاق.

ولكنَّ الصَّحيح عدم مدخليَّة رفع الرأس في الرُّكوع، ولهذا لو سها عن رفع الرَّأس لم تبطل صلاته؛ لترك الرُّكوع قطعاً.

وأمَّا قول المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (بأنَّ هذا في الحقيقة ليس ركوعاً؛ لتبين خلافه).

فيرد عليه: أنَّ كونه كذلك لا يخرجه عن اسم الرُّكوع، وإلَّا لأمكن ذلك في صورة العمد أيضاً.

وأمَّا قول صاحب المدارك رحمه الله: من أنَّه لا يوجد ما يدلُّ على بطلان الصَّلاة بزيادته على هذا الوجه من نصٍّ، أو إجماع.

فيرد عليه -مع قطع النَّظر عن الإجماع القائم على البطلان بالزِّيادة السَّهوية-: أنَّه يستفاد البطلان بالزِّيادة السَّهويَّة بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألتُه عن رجلٍ صلَّى، فذكر أنَّه زاد سجدةً؟ قال: لا يعيد صلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة)(1).

ومنها: موثَّقة عبيد بن زرارة، أو صحيحته (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ شكَّ، فلم يدرِ أسجدَ ثنتين أم واحدةً؟ فسجدَ أخرى، ثمَّ استيقنَ أنَّه قد زاد سجدةً، فقال: لا والله، لا تفسُد الصَّلاةُ بزيادةِ سجدةٍ، وقال: لا يعيدُ صلاتَه مِنْ سجدةٍ، ويعيدها من ركعة)(2).

ومن المعلوم أنَّ مقابلة (الرِّكعة) بالسُّجود يدلُّ على أنَّ المراد بها هو الرُّكوع، لا الرِّكعة التَّامَّة بالمعنى المصطلح عليه.

وبالجملة، فإنَّه يظهر من الرِّوايتين إرادة الرُّكوع من الرِّكعة، وبذلك يستدلُّ على المطلوب.

ويدلُّ على ذلك أيضاً: صحيحة أبي بصير (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: مَنْ زادَ في صلاتِه فعليه الإعادة)(3).

وقد دلَّت بإطلاقها على البطلان في مطلق الزِّيادة: عمديَّةً كانت أم سهويَّةً؛ ركناً أم غير ركن؛ وقد خرجنا عن الإطلاق بزيادة الجُزء غير الركنيّ سهواً؛ بمقتضى حديث: (لا تُعَادُ الصَّلاةُ إلَّا مِنْ خَمْسَةٍ...)، ويبقى ما عدا ذلك، ومنه زيادة الرُّكوع تحت الإطلاق، وحديث: لا تُعَادُ الصَّلاة ذكرناه في عدة مناسبات وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا تُعَادُ الصَّلاةُ إلَّا مِنْ خَمْسَةٍ: الطَّهور والوقت والقبلة والرُّكوع والسُّجود، ثمَّ قال: القراءة سنَّة، والتشهُّد سنَّة، ولا تنقضِ السُّنة الفريضة)(4).

قوله: (ولا تبطل لو تبيَّن زيادة غير الرُّكن، أو زاده سهواً)

وذلك لحديث (لا تُعَادُ الصَّلاةُ إلَّا مِنْ خَمْسَةٍ..)، بناءً على شموله للزِّيادة والنقيصة، كما هو الإنصاف؛ مضافاً للرِّوايات الخاصَّة في بعضها.

قوله: (بخلاف زيادة الرُّكن فإنَّها تبطل عمداً وسهواً)

ذكرنا ذلك بالتفصيل عند الكلام عن الأركان في أفعال الصَّلاة، فراجع.

_______________

(1)و(2) الوسائل باب14 من أبواب الرُّكوع ح2و3.

(3) الوسائل باب19 من أبواب الخلل في الصَّلاة ح2.

(4) الوسائل باب1 من أبواب أفعال الصَّلاة ح14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo