< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(2)

وأمَّا أنَّه لا عكس، أي لا نحكم بصحَّة صلاة مَنْ كانت وظيفته التَّمام فقصَّر جهلاً، فهو المعروف بين الأعلام.

نعم، هناك صورة واحدة التزم بعض الأعلام بصحَّة الصَّلاة فيها، وهي فيما إذا قصَّر المقيم عشرة أيام جهلاً بأنَّ حكمه التمام، وذلك استناداً إلى رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام ( قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ‌: إِذَا أَتَيْتَ بَلْدَةً فَأَزْمَعْتَ الْمُقَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ، فَإِنْ تَرَكَهُ رَجُلٌ جَاهِلاً فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ)[1] ؛ وقد عبَّر عنها بعض الأعلام بالصَّحيحة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّها ضعيفة، لأنَّ في السَّند موسى بن عمر، وهو مردَّد بين موسى بن عمر بن بزيع الثِّقة، وموسى بن عمر بن يزيد الذي لم يوثَّق.

نعم، هو موجود في كتاب كامل الزِّيارات، إلَّا أنَّه ليس من المشايخ المباشرين، فلا ينفع وجوده فيه.

أضف إلى ذلك: أنَّ الأصحاب أعرضوا عنها.

والخلاصة: أنَّ الإتمام موضع القصر صحيح إنْ كان عن جهل ولو تقصيراً، ولا عكس، والله العالم.

وأمَّا حكم الخَلَل النَّاشِئ عن السَّهو، وقد عرَّفنا السَّهو سابقاً بأنَّه عُزُوب المعنى عن القلب بعد خُطُوره بالبَال.

ولكن لا يخفى أنَّ المراد بالسَّهو هنا ما يشمل النسيان لا ما يقابله.

والمراد بالسَّهو والنسيان عن الموضوع، وأمَّا ناسي الحكم أو ساهيه، فهو كجاهله من حيث مقضى القاعدة الأوليَّة، فيأخذ حكم الجاهل.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنَّ مَنْ أخل بركن من الأركان المتقدِّمة أعاد الصَّلاة إنْ لم يذكر إلَّا بعد تجاوز المحلِّ من غير فرق بين التكبير، وغيره.

وقد ذكرنا سابقاً في مبحث تكبيرة الإحرام جملةً من الرِّوايات يظهر منها عدم بطلان الصَّلاة بنسيان تكبيرة الإحرام حتَّى لو ركع، منها موثَّقة أبي بصير (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ قَامَ فِي الصَّلَاةِ، فنَسِيَ أَنْ يُكَبِّرَ، فَبَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنْ ذَكَرَهَا وَهُوَ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَلْيُكَبِّرْ، وَإِنْ رَكَعَ فَلْيَمْضِ فِي صَلَاتِهِ)[2] ، وكذا غيرها.

وقد حَمَل الشَّيخ الطُّوسي رحمه الله هذه الطَّائفة من الرِّوايات على الشَّاكِّ، دون مَنْ حصل له العلم بالترك.

وحَمَلها صاحب الحدائق رحمه الله على التقيَّة، لأنَّ القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين، منهم الزُّهري والأوزاعي وسعيد بن المسيَّب والحسن وقتادة والحَكَم.

ولكنْ قد ذكرنا سابقاً أنَّ الحَمْل على التقيَّة إنَّما يصحُّ لو كانت هذه الرِّوايات حجَّةً في حدِّ نفسها، ولكنَّها لمخالفتها للسُّنة القطعيَّة تسقط عن الحجيَّة، إذ من المعلوم الذي لا شكَّ فيه بطلان الصَّلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح، وذكرنا في مبحث حجيَّة خبر الواحد أنَّه يشترط في حجيَّة خبر الثقة أنْ لا يكون مخالفاً للسُّنّة القطعيَّة، فراجع ما ذكرناه في مبحث تكبيرة الإحرام عند قول المصنِّف رحمه الله: (وهي ركن، تبطل الصَّلاة بتَرْكها سهواً في أشهر الرِّوايات...).

وأيضاً ذكرنا في مبحث الرُّكوع والسُّجود جملةً من الرِّوايات الدَّالة على عدم بطلان الصَّلاة بنسيان الرُّكوع والسُّجود، وقد أجبنا عنها بالتفصيل، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهمّ، ولا حاجة لإعادة البحث حولها.

هذا كلُّه بالنسبة للأركان، وأمَّا ما عداها من أفعال الصَّلاة فلا تبطل الصَّلاة بزيادتها سهواً، بلا خلاف بين الأعلام، لِما عرفت في محلِّه ، وسيأتي أيضاً قريباً -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا بطلانها بزيادتها عمداً، فقد عرفت أنَّه المعروف بين الأعلام، وقد ذكرناه بالتفصيل عند الكلام عن أفعالها، فراجع.

وأمَّا الخَلَل الحاصل في الصَّلاة بسبب طروِّ الشَّكِّ، فسيأتي -إن شاء الله تعالى- عند قول المصنِّف رحمه الله : (ولو شكَّ في عَدَدِ الأوَّلَيْن بطلتْ الصَّلاة...).

 

قوله: (ويتحقق الفوات بالدخول في آخر ، فلو لم يدخل تلافاه ركنا كان أو غيره في الأولتين أو غيرهما)

المعروف بين الأعلام أنَّه لو ذَكَر قبل تجاوز المحلِّ فلا بطلان، بل عليه أنْ يأتيَ به، بل لعلَّ هذا متسالم عليه بينهم.

قال العلَّامة رحمه الله في المنتهى: (لو أخلَّ بركن في الصَّلاة سهواً، وكان محلُّه باقياً أتى به بلا خلاف بين أهل العلم).

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ المراد بالمحلِّ في المقام عدم الدُّخول في ركن آخر، فطالما لم يدخل في ركن يتدارك ما أخلَّ به.

ثمَّ لا يخفى أنَّ محلَّ التدارك هنا غير محلِّ التدارك في المشكوك فيه، إذِ المراد به في المشكوك فيه عدم الدُّخول في فعل آخر، والمراد به هنا عدم الدُّخول في ركن.

ثمَّ إنَّ القول ببطلان الصَّلاة بالإخلال بالركُّوع سهواً حتَّى دخل في ركن آخر هو المعروف بين الأعلام، من غير فرق بين الأولتَيْن والأخيرتين.

وهناك أقوال أخر:

ومنها: ما عن الشَّيخ رحمه الله في المبسوط من التفصيل بين الرِّكعتين الأولتَيْن وثالثة المغرب، وبين الأخيرتَيْن من الرُّباعيَّة، فاختار البطلان في الأوَّل، والصِّحَّة في الثاني بإسقاط السَّجدتَيْن، وإتمام الصَّلاة بعد تدارك الرُّكوع.

قال في المبسوط: (إنَّما تبطل في الأولتَيْن أو في ثالثة المغرب، وإنْ كان في الأخيرتَيْن من الرُّباعية حَذَف الزَّائد وأتى بالفائت، فلو ترك الرُّكوع في الثالثة، حتَّى سَجَد سجدتَيْها، أسقطهما وركع وأعاد السَّجدتين، ولو لم يذكر حتَّى ركع في الرَّابعة أسقط الرُّكوع وسجد للثالثة، ثمَّ أتى بالرَّابعة...)؛ وقال نحوه في التهذيب والاستبصار.

ومنها: ما حكاه في المبسوط عن بعض الأعلام من الحكم بالصِّحَّة مطلقاً، وإسقاط الزَّائد من غير فرق بين الأولتَيْن والأخيرتَيْن.

وعن العلَّامة رحمه الله في المنتهى: أنَّه أسند هذا القول إلى الشَّيخ أيضاً.


[1] وسائل الشِّيعة، ج8، ص506، ح3، ط: آل البيت عليهم السَّلام.
[2] الوسائل باب2 من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ح10.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo