< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بقية الصَّلوات المستحبَّة(3)

ثمَّ إنَّه يظهر من الرِّوايات الواردة في المقام أنَّه لا فرق في الحاجة بين قضاء الدَّين ودَفْع المرض وهلاك عدوٍّ وغيرها، بل يظهر من رواية إسماعيل بن الأَرْقط أنَّه لا فرق في الحاجة بين أن ترجع للمصلِّي نفسه، وبين أن ترجع إلى غيره، كشفاء مرض ولده، إذ هي حاجة له أيضاً، كما هو واضح.

قال إسماعيل بن الأَرْقط -وأمُّه أمُّ سلمة أخت أبي عبد الله عليه السلام-: (مرضت مرضاً شديداً في شهر رمضان حتَّى ثقلتُ، فجزعتْ عليَّ أُمِّي، فقال لها أبو عبد الله عليه السلام (خالي): اِصعدي إلى فوق البيت، فابرزي إلى السَّماء، وصلِّي ركعتين، فإذا سلَّمتِ فقولي: اللَّهمَّ إنَّك وهبته لي، ولم يكُ شيئاً، اللَّهمَّ إنِّي أستوهبُكَه مبتدءاً فأعرنِيْه، قال: ففعلتْ فأفقتُ وقعدتُ، ودعَوا بسحورٍ لهم هريسة، فتسحَّروا وتسحَّرت معهم)(1)، ولكنَّها ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة، وبعدم وثاقة إسماعيل بن الأَرْقط.

 

قوله: (والشُّكرِ)

المعروف بين الأعلام استحباب صلاة الشُّكر لله تعالى عند تجدُّد النِّعم؛ وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيها أيضاً...).

أقول: تدلّ على ذلك معتبرة هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال في صلاة الشُّكر: إذا أنعم الله عليك بنعمة فصلِّ ركعتين، تقرأ في الأُولى بفاتحة الكتاب، وقُلْ هُوَ الله أَحَد، وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب، وقُلْ يَاْ أَيُّهَا الكَافِرُوْن، وتقولُ في الرِّكعة الأُولى في ركوعِك وسجودِك: الحَمْدُ لله شكراً وحَمْداً، وتقولُ في الرِّكعة الثانية في ركوعِك وسجودِك: الحَمْد لله الذي استحباب دعائي، وأعطاني مسألتي)(2)، وهي معتبرة، فإنَّ هارون بن خارجة الأنصاري متِّحد مع هارون بن خارجة الصَّيرفي الثقة، كما أنَّ أبا السَّراج هو عبد الله بن عثمان الثِّقة.

والمراد من محمَّد بن إسماعيل الواقع في السَّند هو ابن بزيع الثِّقة.

ثمَّ لا يبعد استفادة مطلق ذِكْر الشُّكر بأيِّ عبارة كانت، بل لا يبعد عدم اعتبار تلك الكيفيَّة المخصوصة في الرِّواية، بل هي مستحبّ في مستحبّ، ولا الكيفيَة المذكورة في رواية محمَّد بن مسلم الواردة عند لُبْس الثوب الجديد، حيث روى محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال أمير المؤمنين (ع) إذا كسى الله المؤمن ثوباً جديداً فَلْيتوضَّأ وَلْيُصلِّ ركعتين، يقرأ فيهما أمَّ الكتاب وآيةَ الكرسيِّ، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، وإنَّا أَنْزَلْنَاْه في ليلة القدر، ثمَّ لِيَحْمِد الله الذي ستر عورته وزيَّنه في النَّاس، وَلْيَكْثر من قَوْلِ: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، فإنَّه لا يعصي الله فيه، وله بكلِّ سِلْك فيه مَلَك يقدِّس له ويستغفر له ويترحَّم عليه)(3)، وهي ضعيفة في الكافي والخِصال بعدم وثاقة القاسم بن يحيى، وجدِّه الحسن بن راشد.

ثمَّ إنَّه لا فرق على الظَّاهر في استحباب صلاة الشَّكر بين تجدُّد النِّعَم وبين دَفْع النِّقَم، وقضاءِ الحوائج، والله العالم.

 

قوله: (والاستخارة)

الاستخارة هي طلب الخِيَرة من الله تعالى قال في القاموس والنِّهاية وغيرهما.

ومجمع البحرين: (خَارَ الله لك: أي أعطاك الله ما هو خير لك؛ والخِيْرَةُ -بسكون الياء-: اسم منه، والاسْتِخَارَةُ: طلب الخِيَرة كعِنَبة؛ وأَسْتَخِيرُكَ بعلمك: أي أطلب منك الخِيَرة متلبِّساً، بعلمك بخيري وشرِّي، قيل: الباء للاستعانة أو للقسم الاستعطافي؛ وَفِي الْحَدِيثِ: مَنِ اسْتَخَارَ اللهَ رَاضِياً بِمَا صَنَعَ اللهُ خَارَ اللهُ لَهُ حَتْماً؛ أي طلب منه الخِيَرة في الأمر، وفيه: اسْتَخِرْ ثمَّ اسْتَشِرْ؛ ومعناه

أنك تستخير الله أوَّلاً، بأنْ تقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ خِيرَةً في عافية؛ وتُكرِّر ذلك مراراً، ثمَّ تشاور بعد ذلك فيه، فإنَّك إذا بدأتَ بالله أجرى الله لك الخِيَرة على لِسان مَنْ شاء مِنْ خلقه؛ وخِرْ لِي واخْتَرْ لي: أي اجعل مِنْ أمري خيراً، وألهمني فِعْله، واختر لي الأصلح).

ثمَّ اعلم أنَّ الأعلام (قدَّس أسرارهم) ذكروا عدَّة معاني للاستخارة، ولكنَّ الإنصاف أنَّ لها معنَيْن فقط:

الأوَّل: طلب الخِيَرة من الله تعالى، بمعنى أنْ يسأل الله تعالى في دعائه أنْ ييسِّر له الخير، ويوفِّقه في الأمر الذي يريده بأنْ يرشده إليه.

الثاني: طلب تعرف ما فيه الخِيرة، أي الاستشارة والاهتداء إلى ما فيه صلاحه، بأنْ يطلب من الله -سبحانه وتعالى- تعرف ما فيه مصلحته، وهذا المعنى هو المعروف بين النَّاس في هذه الأعَصْار.

وقد روي لاستكشاف ما فيه الخِيرة أنحاء مختلفة، سنتعرَّض لها -إنْ شاء الله تعالى- بعد الكلام عن المعنى الأوَّل.

إذا عرفت ذلك فنقول:

أمَّا المعنى الأوَّل: فيستفاد من عدَّة روايات:

منها: رواية محمَّد بن خالد القسري (أنَّه سأل أبا عبد الله ’ عن الاستخارة، قال: اِستخرِ الله في آخر ركعة من صلاة اللَّيل -وأنت ساجد- مائة مرَّة ومرَّة، قال: كيف أقول؟ قال: تقول: أستخير الله برحمته، أستخير الله برحمته)(4)، وهي ضعيفة بجهالة محمَّد بن خالد القسري، كما أنَّ إسناد الشَّيخ الصَّدوق ¬ إليه فيه جعفر بن محمَّد بن مسرور، وهو غير موثَّق، وترحَّمُ الشَّيخ الصَّدوق ¬ عليه لا يفيد التوثيق ولا المدح المعتدّ به، كما أنَّ فيه حفصة أو خَفْقة وكلاهما مهملان.

ومعنى أستخير الله برحمته، أي أطلب منه تعالى أنْ يجعل لي الخير، ويرشدني إليه، ووفقني في الأمر الذي أريده.

ومنها: صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام ( أنَّه قال في الاستخارة: أنْ يستخير الله الرَّجلُ في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائةَ مرَّة ومرَّة، تحمد الله وتصلِّي على النَّبي (صلَّى الله عليه وآله) وآله، ثمَّ تستخير الله خمسين مرَّة، ثمَّ تحمد الله وتصلِّي على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وتمِّم المائة والواحدة)(5).

ومنها: رواية ناجية عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه كان إذا أراد شراءَ العبدِ أو الدَّابةِ أو الحاجةِ الخفيفةِ أو الشَّيءِ اليسيرِ استخارَ الله فيه سبع مرات، فإذا كان أمراً جسيماً استخار الله مائة مرَّة)(6)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة ناجية.

ومنها: رواية معاوية بن ميسرة عنه عليه السلام (أنَّه قال: ما استخار الله عبد سبعين مرَّةً بهذه الاستخارة إلَّا رماه الله بالخيرة، يقول: يا أبصر النَّاظرين، ويا أسمع السَّامعين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الرَّاحمين، ويا أحكم الحاكمين، صلِّ على محمَّد وأهل بيته وخِرْ لي في كذا وكذا)(7)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة معاوية بن ميسرة.

______________

(1) الوسائل باب30 من أبواب بقيَّة الصَّلوات المندوبة ح1.

(2) الوسائل باب35 من أبواب بقيَّة الصَّلوات المندوبة ح1.

(3) الوسائل باب26 من أبواب أحكام الملابس ح1.

(4)و(5) الوسائل باب4 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح2و1.

(6)و(7) الوسائل باب5 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح1و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo