< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(8)

وأقصى ما يمكن أن يستدلّ لهذا القول هو أنَّ ظاهر الأخبار الآمرة بهذه الصَّلاة لا تدلّ على أكثر من وجوب التلبُّس عند ظهور الآية، بل إطلاق رواية ابن شاذان المعلّلة للصَّلاة بصرف شرِّ الآية، وإطلاق صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم المعلّلة لها بالسُّكون، يقتضي وجوب التلبُّس بها حال الآية مطلقاً ما لم يتحقّق السُّكون وصَرْف شرّ الآية، أي يشرع بها ولو لم يبقَ من الوقت إلَّا مقدار ركعة أو أقلّ.

وأصرح منهما حسنة زرارة ومحمَّد بن مسلم (قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الكُسُوف، كم هي ركعة، أو كيف نصلّيها -إلى أن قال:- فإنْ فرغت قبل أن يتجلَّى فاقعد، وادعُ الله حتَّى ينجلي، فإنِ انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي...)(1)، فإنَّ إطلاقها يشمل ما لو لم يدرك ركعةً.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ ما ذكروه لا تساعد عليه الأخبار المتقدِّمة:

أمَّا رواية الفضل بن شاذان المتقدِّمة، فمضافاً إلى ضعف سندها، وأنَّ العِلل الواردة فيها من قبيل بيان المناسبات والحكمة المقتضية لتشريع الحكم، لا أنَّها علّة حقيقيَّة، يدور الحكم مدارها؛ أنَّ ظاهرها وجوب مجموع الفعل -أي الصَّلاة بتمامها- لصرف المكروه، ومع العلم بتحقّقه قبل وجود الفعل بتمامه لا يعقل كونها غايةً له.

وأمَّا صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم المعلّلة لها بالسُّكون، فقد عرفت سابقاً أنَّها ظاهرة في التوقيت بالمعنى المعهود، أي ابتداءً وانتهاءً، فراجع ما ذكرناه عند الكلام عن أخاويف السَّماء.

وأمَّا غيرهما من الرِّوايات:

فأمَّا ما أطلق فيه القضاء والفَوْت، فهو ظاهر في التوقيت بالمعنى المعهود والمشهور، لا توقيت الجُزْء الأوَّل من الفعل بإيقاعه في جزء من الوقت، وتكميل الباقي في خارجه.

وأمَّا الأخبار الآمرة بالصَّلاة في وقت الكُسُوف، فَإِنْ جُعِلت على السَّببيَّة المطلقة لزم منه جواز تأخير الدُّخول إلى ما بعد الانجلاء، وهو باطل بالاتِّفاق.

وَإِنْ حملناها على السَّببيَّة، بمعنى أنَّه يجب أن يشرع بالصَّلاة قبل الأخذ بالانجلاء، أو قبل تمامه -على الخلاف المتقدِّم- فيلزمه جواز تطويلها اختياراً إلى ما بعد الانجلاء، وهو أيضاً باطل.

وأمَّا رواية محمَّد بن مسلم وبريد بن معاوية (إذا وقع الكُسُوف، أو بعضُ هذه الآيات، فصلِّها)(2)، فمضافاً إلى ضَعْف سندها، كما تقدم، فهي مثلها مثل الرِّوايات الآمرة بالصَّلاة في وقت الكُسُوف، وقد عرفت الجواب.

وأمَّا حسنة زرارة ومحمَّد بن مسلم (فإنِ انجلى قَبْل أن تَفْرغ من صلاتِك فأتمَّ ما بقي)(3)، فإنَّها ظاهرة فيما إذا أطال الصَّلاة استحباباً، ثمَّ اتَّفق خروج الوقت، كما هو المفروض في موردها، فلا تشمل ما نحن فيه.

والخلاصة: أنَّ المستفاد من الرِّوايات بالنسبة للكُسُوفين هو التوقيت بالمعنى المعهود، والمشهور بين الأعلام.

والذي يهوِّن الخطب: أنَّه لا يكاد يتَّفق كُسُوف يُدْرك بحسِّ البصر في المتعارف، ويقصر زمانه عن أداء أقلِّ الواجب من صلاته، هذا تمام الكلام في الكُسُوف.

وأمَّا الزَّلْزَلة، فقد عرفت أنَّها سبب بالاتِّفاق، فتجب الصَّلاة لها وإن قَصُر الوقت عن الرّكعة.

وأمَّا أخاويف السَّماء، فإن كانت من قبيل السَّبب، كما عن جماعة كثيرة، فحكمها حكم الزَّلْزَلة من هذه الجهة.

وأمَّا إن كانت من قبيل الوقت، أي مؤقَّتة بوقت الآية، كما عن أكثر القائلين بالوجوب، فحكمها من هذه الجهة حكم الكُسُوف، وقد عرفت مختارنا في المسألة، فراجع، والله العالم بحقائق أحكامه.

 

قوله: (وتُقضى مع الفوات عمداً أو نسياناً، لا جهلاً، إلَّا مع إيعاب النَّيرَيْن)

يقع الكلام في أربعة أمور:

الأوَّل: ما حكم مَنْ لم يعلم بالكُسُوف حتَّى خرج الوقت، فهل يجب القضاء مطلقاً، أم فيه تفصيل؟

الثاني: ما حكم من علم بالكُسُوف، ثمَّ ترك الصَّلاة عمداً أو نسياناً، حتَّى خرج الوقت؟

الثالث: ما حكم من علم بسائر الآيات التي يجب لها الصلاة، ثمَّ ترك الصَّلاة عمداً أو نسياناً، حتَّى خرج الوقت، فهل تُقْضى أم لا؟

الرَّابع: ما الحكم فيما لو لم يعلم بها حتَّى مضى الوقت، فهل يجب عليه القضاء أم فيه تفصيل؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ لم يعلم بالكُسُوف حتَّى خرج الوقت لم يجب القضاء، إلَّا أن يكون القرض قد احترق كلُّه.

قال في المدارك: (هذا قول معظم الأصحاب، بل قال في التذكرة: إَّه مذهب الأصحاب، عدا المفيد...).

قال صاحب الحدائق رحمه الله -بعد أن ذكر عبارة صاحب المدارك رحمه الله-: (تخصيص الخلاف بالشَّيخ المفيد مَؤْذِن بعدم الخلاف سواه، والحال أنَّ الخلاف في ذلك منقول عن جمع من مشاهير المتقدِّمِين، منهم الشَّيخ عليّ بن بابوَيْه في الرِّسالة، وابنه في المقنع، والسَّيّد المرتضى في الجُمَل، وأجوبة المسائل المصريّة، وأبو الصَّلاح، قال شيخنا المفيد -عطَّر الله مرقده- في المقنعة: إذا احترق القرص كلُّه، ولم تكن علمت به حتَّى أصبحت، صلَّيت صلاة الكُسُوف جماعةً؛ وإنِ احترق بعضه، ولم تعلم به حتَّى أصبحت، صلَّيت القضاء فرادى؛ قال في المدارك: ولم نقف لهذا التفصيل على مستند؛ انتهى، وقال الشَّيخ عليّ بن بابويه -نور الله ضريحه- على ما نقله عنه في الذِّكرى، بعد نقل كلام الشَّيخ المفيد المذكور: إذا انكسفتِ الشَّمس أو القمر، ولم يعلم، فعليك أن تصلّيها إذا علمت به، وإن تركتها متعمِّداً حتَّى تصبح فاغتسل وصلَها، وإن لم يحترق كلُّه فاقضها ولا تغتسل؛ ثمَّ قال في الذكرى: وكذا قال ابنه في المقنع، ثمَّ قال -قدِّس سرُّه-: وظاهر هؤلاء وجوب القضاء على الجاهل وإن لم يحترق جميع القرص، ولعلَّه لِرواية لم نقف عليها، ومثل ذلك نقل في المختلف عن المرتضى وأبي الصَّلاح)، انتهى كلام صاحب الحدائق رحمه الله.

أقول: سواء صحّ ما نُقِل عن هؤلاء الأعلام من وجوب القضاء مطلقاً وإن لم يحترق القرض بكامله، أم لم يصحَّ، فإنَّ المهمّ هو الرُّجوع إلى الأدلَّة حتَّى نرى ماذا يستفاد منها.

____________

(1) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح6.

(2) الوسائل باب5 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح4.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo