< قائمة الدروس

الموضوع: صلاة الآيات(5)

(استكمال ما ذكره صاحب الحدائق رحمه الله)

ثمَّ قال: (وإليه ذهب الشَّيخان وابن حمزة وابن إدريس، والمحقِّق في النافع، والعلَّامة في جملةٍ من كتبه...)؛ ونسبه المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى إلى المعظم، ونسبه العلَّامة رحمه الله في التذكرة إلى علمائنا، مُشِعراً بدعوى الإجماع عليه.

ومهما يكن، فقدِ استُدلّ للقول الأوَّل -أي أنَّ الوقت يمتدّ إلى تمام الانجلاء- بعدَّة أدلَّة:

منها: صحيحة الرَّهْط المتقدِّمة (أنَّ صلاة كُسُوف الشَّمس والقمر والرَّجْفة والزَّلْزَلة عشر ركعات، وأربع سجدات، صلَّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنَّاس خَلْفه، في كُسُوف الشَّمس، ففرغ حين فرغ وقدِ انجلى كُسُوفها)(1).

وهي ظاهرة في وقوع مقدار من الصَّلاة بعد الأخذ في الانجلاء، فيكشف عن امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء، لأنَّ الإِطالة في الصَّلاة إنَّما تصحّ في وقتها.

ومثلها موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال: إنْ صلَّيتَ الكُسُوف إلى أن يذهب الكُسُوف عن الشَّمس والقمر، وتُطوِّل في صلاتِك، فإنَّ ذلك أفضل، وإذ أحببتَ أن تصلِّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكُسُوف فهو جائز...)(2)، إذ من الواضح إرادة ذهاب تمام الكُسُوف؛ ولولا أنَّه وقت لم يجز إيقاع بعض الفعل فيه.

وهي موثَّقة لأنَّ طريق الشَّيخ إلى عمَّار صحيح؛ نعم، هي ضعيفة بالطَّريق الآخر، لوجود عليّ بن خالد، وهو غير موثَّق.

وقد ذَكَر صاحب الوسائل رحمه الله في الباب العاشر، في الحديث العاشر، أنَّ الشَّيخ رحمه الله رواها أيضاً بإسناده عن عمَّار.

وأمَّا الإشكال عليها، وعلى صحيحة الرَّهْط المتقدِّمة، بأنَّهما يدلَّان على جوازِ البقاء في الصَّلاة، وعدمِ وجوب الفراغ منها قبل الشُّروع في الانجلاء؛ أمَّا جواز تأخير الشَّروع في الصَّلاة إلى ما بعد الشُّروع في الانجلاء فلا يستفاد منهما.

ففيه: أنَّه خلاف ظاهر التوقيت.

ومنها: صحيحة معاوية بن عمَّار (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: صلاةُ الكُسُوفِ إذا فرغتَ قبل أن ينجلي فأعِد)(3)، إذ لولا أنَّه وقت لم تشرعِ الإعادة فيه التي هي عبارة عن الفعل فيه زائداً على المرأة.

وبالجملة، لو خرج الوقت بالأخذ في الانجلاء لَمَا استُحِبَّتِ الإعادة بعده، كما لا تُسْتَحبّ بعد الانجلاء التَّامّ.

ومنها: رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا انكسفت الشَّمس والقمر وانكسف كلّها، فإنَّه ينبغي للنَّاس أن يفزعوا إلى إمامٍ يصلِّي بهم، وأيّهما كُسِف بعضه فإنَّه يجزي الرَّجل يصلِّي وحده...)(4).

وجه الاستدلال بها: أنَّه لا يُعْلم جزئيَّة الكُسُوف وكلّيته إلَّا عند انتهائه، الذي لا يعلم عادةً إلَّا باحتراق القرص أو الأَخْذ في الانجلاء.

وعليه، فلوِ انتهى الوقت بالأَخْذ في الانجلاء لم يجزِ التأخير إليه عمداً، مع أنَّ ظاهر الرِّواية هو الجواز بلا إشكال.

والإنصاف: أنَّ أقوى رواية عثرنا عليها، من حيث جواز التأخير إلى ما بعد الأخذ في الإكمال، هو هذه الرِّواية.

ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن يعقوب الهاشمي.

ومنها: إطلاق نصوص الوجوب بالكُسُوف، ضرورة صدقه إلى تمام الانجلاء، لأنَّ الموضوع فيها هو عنوان الكُسُوف، وهو صادق من حين حدوثه إلى تمام الانجلاء، فكما أنَّه يصدق أنَّ المكلَّف صلَّى صلاة الكُسُوف إذا صلَّاها حين حدوث الانكساف يصدق أيضاً أنَّه صلَّاها إذا شرع بها بعد الأَخذ في الانجلاء، لأنَّ الموضوع واحد، وهو باقٍ.

وقد يستدلّ أيضاً بالأصل العملي، على فرض عدم تماميَّة الأدلَّة المتقدِّمة.

وقد يقرَّر الأصل العمليّ بوجهَيْن:

الأوَّل: بالاستصحاب الذي هو أَصْل مُحرِز.

وحاصله: أنَّ وجوب الصَّلاة حين حدوث الكُسُوف، وقبل الأَخذ في الانجلاء كان متيقَّناً، ونشكّ في بقائه إلى ما بعد الأَخذ في الانجلاء حتَّى نهايته، فيُسْتصحب بقاؤه.

وفيه -ما ذكرناه في أكثر من مناسبة-: أنَّ استصحاب الحكم الكلِّي معارَض باستصحاب عدم الجعل، فيتساقطان.

الوجه الثاني: البراءة، وهي من الأصول غير المُحْرِزة.

وحاصِلها: أنّنا نشكّ في وجوب المبادرة إلى الصَّلاة قبل الأَخذ في الانجلاء.

وإن شئت فقل: هل الواجب متقيِّد بالوقوع قبل الأَخذ في الانجلاء، والأصل عدم التقيُّد.

وهذا تمام الكلام بالنسبة للقول الأوَّل.

__________

(1) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح1.

(2) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح2.

(3) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح1.

(4) الوسائل باب12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo