< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(11)

 

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (ولمَّا لم يثبت الوجوب حُمِل النَّهي على الكراهة...).

واستشكل عليه صاحب المدارك (رحمه الله)، بما حاصله: أنَّ التحريم لا يتوقَّف على دخول وقت صلاة العيد، إذ لا منافاة بين التحريم وبين عدم وجوبها، إذ يجوز أن يكون التحريم لأمر آخر.

ثمَّ رد الصَّحيحة بقوله: (لكنَّ الرَّاوي أبو بصير مشترك بين الثقة والضَّعيف، فلا يصحّ التعلُّق بروايته، والخروج بها عن مقتضى الأصل...).

أقول: إنَّ أبا بصير إذا أُطلِق يراد به يحيى بن أبي القاسم الأسدي المكفوف الثقة، أو لَيْث بن البُختري المرادي الثقة، فلا أثر للتردُّد.

وأمَّا غيرهما، فليس بمعروف بهذه الكنية، بل لعلَّه لم يوجد مورد يطلق فيه أبو بصير، ويراد به غير هذين، هذا أوَّلاً.

وثانياً: أنَّ المعروف عند الأعلام أنَّه متى كان الرَّاوي عن أبي بصير عاصم بن حميد، أو عبد الله بن مسكان، فهو لَيْث المرادي الثقة، والرّاوي هنا عنه عاصم بن حميد.

وعليه، فلا مشكلة من هذه الجهة.

وأمَّا بالنسبة للدَّلالة، فالصَّحيحة، وإن كانت ظاهرةً في الحرمة، إلَّا أنَّ النَّهي محمول على الكراهة، لاشتهارها بين الأعلام؛ لاسيَّما بعد معروفيَّة مشاركة الجمعة والعيد في الأحكام، وقد ثبت في الجمعة أنَّ السَّفر قبل النِّداء مكروه، فيكون ذلك قرينة على الكراهة هنا.

أضف إلى ذلك: أنَّه حُكي عن صاحب الرِّياض (رحمه الله) أنَّه استظهر إطباق الأصحاب على عدم الحرمة، فيكون إعراض جميع الأعلام عن ظاهر الصَّحيحة موهناً للدَّلالة، والله العالم.

_________

(1) الوسائل باب27 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

قوله: (والأقربُ: تحريم البيع وشبهه، إذا قال المؤذِّن: الصَّلاة)

راجع ما ذكرناه في الجمعة، من تحريم البيع وغيره من العقود وقت النداء، فإنَّ الكلام هو الكلام، من حيث كونه مفوتًا أم لا، فلا حاجة للإعادة.

قوله: (وكيفيتها أنَّها تُصلَّى ركعتين كسائر الصَّلوات؛ ويزيد تسع تكبيرات وجوباً في الأقوى: خمس للرِّكعة الأولى، وأربع للثانية، وتسع قنتات وجوباً بما سنح، والمرسوم أفضل)

المعروف بين الأعلام أنَّ صلاة العيد ركعتان كسائر الصَّلوات: يكبِّر للإحرام، ثمَّ يقرأ الحمد وسورة، ويكبِّر خمس تكبيرات في الرِّكعة الأُولى بعد القراءة، وأربع في الثانية بعد كلّ تكبير قنوت.

ولا خلاف بين الأعلام أصلاً في وجوب تكبيرة الإحرام وقراءة الحمد، ولا حاجة للاستدلال عليها بالرِّوايات، وإن كانت الأدلَّة كثيرةً.

وأمَّا وجوب السُّورة، فقد قال صاحب المدارك (رحمه الله): (أجمع الأصحاب على وجوب قراءة سورة مع الحمد، وأنَّه لا يتعيَّن في ذلك سورة مخصوصة، قاله في التذكرة).

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ الخلاف بين الأعلام في وجوب السُّورة بعد الحمد -والذي ذكرناه سابقاً عند البحث في القرءاة- لم أجده هنا، بل كلّهم صرَّح بالوجوب.

ومهما يكن، فقد وقع الكلام في عدَّة أمور:

الأوَّل: هل التكبير في الرِّكعتين هو بعد القراءة فيهما، كما هو المعروف بين الأعلام؟

وفي الجواهر: (على الأشهر، بل المشهور روايةً وفتوًى، بل في الانتصار وظاهر الخلاف الإجماع عليه، بل لا أجد فيه خلافاً، سوى ما يحكى عن ابن الجنيد، وظاهر الهداية من تقديم التكبيرات على القراءة، نحو المحكي عن أبي حنيفة، بل والشَّافعي وأحمد...).

أم أنَّ التكبير في الأُولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها، كما حكى ذلك عن ابن الجنيد (رحمه الله)؟

وهناك قول ثالث محكي عن الشَّيخ المفيد (رحمه الله)، وهو أنَّ التكبيرات في الرِّكعة الثانية تُفرَّق، فتجعل واحدة للقيام إلى الثانية قبل القراءة، ثمَّ يكبِّر بعد القرءاة ثلاثاً ويقنت ثلاثاً.

وهذا القول الثالث: لا يعرف له دليل ومستند.

وأمَّا الدليل الأوَّل -المشهور بين الأعلام قديماً وحديثاً- فيدلّ عليه جملة من الرِّوايات:

منها: رواية معاوية بن عمَّار (قال: سألته عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان، ليس قبلهما ولا بعدهما شيء، وليس فيهما أذان ولا إقامة، تُكبِّر فيهما اثنتي عشرة تكبيرةً، تبدأ فتكبِّر وتفتتح الصَّلاة، ثمَّ تقرأ فاتحة الكتاب، ثمَّ تقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، ثمَّ تكبر خمس تكبيرات، ثمَّ تُكبِّر وتركع، فتكون تركع بالسَّابعة ويسجد سجدتين، ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، ثمَّ تكبر أربع تكبيرات، وتسجد سجدتين وتتشهَّد وتسلِّم، قال: وكذلك صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)...)(1).

وقوله عليه السلام: (تركع بالسَّابعة)، أي سبع تكبيرات، واحدة لتكبيرة الإحرام، وخمسة بعد القراءة، وواحدة للركوع، فالمجموع سبعة.

ولم يذكر في الرِّواية التكبيرة للرِّكوع في الرِّكعة الثانية، ولعلَّه لمقابلتها بالرِّكعة الأُولى، فلذا لم يذكر التكبيرة، فتصبح التكبيرات اثنتي عشرة.

ثمَّ إنَّ الرِّواية مضمرة، ولكنَّ نسبها الشيخ في الخلاف إلى الإمام الصَّادق عليه السلام.

والإنصاف: أنَّه، وإن كنَّا نظنّ أنَّ المسؤول هو المعصوم عليه السلام، إلَّا أنَّ هذا الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ولا يوجد عندنا قاعدة كليَّة، وهي أنَّ مضمرات معاوية بن عمَّار معتبرة.

_________

(1) الوسائل باب1 من أبواب صلاة العيد ح2.

 

وعليه، فالرِّواية تكون ضعيفةً.

ومنها: رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام (في صلاة العيدين، قال: يكبِّر واحدةً يفتتح بها الصَّلاة، ثمَّ يقرأ أم الكتاب وسورة، ثمَّ يكبر خمساً، يقنت بينهنّ، ثمَّ يكبِّر واحدةً ويركع بها، ثمَّ يقوم فيقرأ أمّ الكتاب، وسورة يقرأ في الأُولى سبِّح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، ثمَّ يكبِّر أربعاً، ويقنت بينهنّ، ثمَّ يركع بالخامسة)(1)، وهي ضعيفة بجهالة أحمد بن عبد الله القروي (الغروي).

ومنها: رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام (في صلاة العيدين، قال: يكبِّر، ثمَّ يقرأ، ثمَّ يكبِّر خمساً، ويقنت بين كلّ تكبيرتين، ثمَّ يكبِّر السَّابعة، ويركع بها، ثمَّ يسجد، ثمَّ يقوم في الثانية، فيقرأ، ثمَّ يكبر أربعاً، فيقنت بين كلّ تكبيرتين، ثمَّ يكبِّر ويركع بها)(2)، وهي ضعيفة أيضاً بعليّ بن أبي حمزة البطائني.

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة، تكبِّر في الأُولى واحدةً، ثمَّ تقرأ تكبِّر بعد القراءة خمس تكبيرات، والسَّابعة يركع بها، ثمَّ تقوم في الثانية فتقرأ، ثمَّ تكبِّر أربعاً، والخامسة تركع بها...)(3).

والمراد من شعيب الواقع في السَّند هو شعيب بن يعقوب العقرقوفي الثقة ابن أخت أبي بصير.

قال النَّجاشي (رحمه الله): (شعيب العقرقوفي أبو يعقوب ابن أخت أبي بصير يحيى بن القاسم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام: ثقة عين، له كتاب يرويه حمَّاد بن عيسى وغيره...).

ومنها: صحيحة يعقوب بن يقطين (سألتُ العبد الصَّالح عليه السلام عن التكبير في العيدين قبل القراءة أو بعدها، وكم عدد التكبير في الأُولى وفي الثانية، والدعاء بينهما، وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: تكبير العيدين للصَّلاة قبل الخطبة، تكبِّر تكبيرة، تفتتح بها الصَّلاة، ثمَّ تقرأ وتكبِّر خمساً، وتدعو بينهما (بينها )، ثمَّ تكبر أخرى، وتركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي (بالذي) افتتح بها، ثمَّ تكبر في الثانية خمساً، تقوم فتقرأ ثمَّ تكبِّر أربعاً، وتدعو بينهنّ، ثمَّ تركع بالتكبيرة الخامسة)(4).

__________

(1)و(2)و(3)و(4) الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح10و3و7و8.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo