< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(9)

أقول: يدلّ على أنَّ وقتها ينتهي بالزَّوال صحيحة محمَّد بن قيس المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنَّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك إذا كانا شهدا قبل زوال الشَّمس، فإن شهدا بعد زوال الشَّمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم ، وأخَّر الصَّلاة إلى الغد فصلَّى بهم)(1).

ويفهم من قوله (عليه السلام): (إذا كانا شهدا قبل زوال الشَّمس)، أنَّ الوقت يمتد إلى الزَّوال، بقرينة المقابلة مع الشَّرطيَّة الثانية، وهي قوله (عليه السلام) (فإن شهدا بعد زوال الشَّمس)، وإلَّا لا مقتض للتفصيل.

وعليه، فالمراد أنَّه ثبت الهلال قبل الزَّوال صلَّى في ذلك اليوم، ولم يؤخِّرها إلى الغد.

نعم، قد يشكل بأنَّه لا إطلاق في هذه الصَّحيحة، بل يقتصر على موردها، وهو الامتداد في هذه الصُّورة للضَّرورة، وعدم إمكان الصَّلاة عند الطُّلوع، لفواته بالجهل بالعيد.

اللّهمَّ إلَّا أن يُقال: إنَّه لا فرق بين هذه الصُّورة وغيرها، بقرينة الاتِّفاق بين الأعلام على الامتداد مطلقاً إلى الزَّوال.

هذا وقد ذكر صاحب الحدائق (رحمه الله) (أنَّه من المحتمل قريباً أن جملة: وأخّر الصَّلاة إلى الغد، مستأنفة لا معطوفة على الجملة الجزائيَّة؛ وحاصل الكلام أنَّه أمر بالإفطار مع ثبوت الرؤية قبل الزَّوال، أو بعد الزَّوال؛ وعلى كلٍّ منهما أخَّر الصَّلاة إلى الغد لفوات وقتها...).

وفيه: أنَّه لو كان الأمر كذلك لما كان معنًى للتفصيل بين قبل الزَّوال وبعده، ولكان مقتضاه أيضاً وجوب التأخير إلى الغد حتَّى فيما لو كان ذلك في صدر النَّهار، إذ ليس المراد بما قبل الزَّوال خصوص الجزء القريب منه، بل مطلقه المقابل لما بعده، مع أنَّه لا يمكن الإلتزام بذلك.

ثمَّ قال صاحب الحدائق (رحمه الله): (ويؤيِّده -أي الاحتمال الذي ذكره في صحيحة محمَّد بن قيس-: إطلاق الخبر الذي معه، وهو مرفوعة محمَّد بن أحمد، قال: إذا أصبح النَّاس صياماً، ولم يروا الهلال، وجاء قوم عدول يشهدون على

__________

(1) الوسائل باب9 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

الرّؤية، فَلْيفطروا وَلْيخرجوا من الغد أوَّل النَّهار إلى عيدهم(1)، فإنَّه كما ترى مطلق في كون ثبوت الرُّؤية قبل الزَّوال أو بعده...)(1).

ويرد عليه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة بالرَّفع.

وثانياً -مع قطع النَّظر عن ذلك -: أنَّ الإطلاق مقيَّد بكون الشَّهادة على ثبوت الرُّؤية بعد الزَّوال، وذلك لصحيحة محمَّد بن قيس المتقدِّمة.

وكذا إطلاق رواية دعائم الإسلام عن عليّ (عليه السلام) (في القوم لا يرون الهلال، فيصبحون صياماً، حتَّى يمضي وقت صلاة العيدين أوَّل النَّهار، فيشهد شهود عدول أنَّهم رأَوه من ليلتهم الماضية، قال: يفطرون ويخرجون من غد، فيصلّون صلاة العيد أوَّل النَّهار)(2)، فإنَّ هذه الإطلاق مقيَّد بما إذا كانت الشَّهادة بعد الزَّوال، وذلك للصَّحيحة المتقدِّمة.

أضف إلى ذلك: أنَّها ضعيفة بالإرسال.

() قال المصنف (رحمه الله) في الذِّكرى: (يستحبّ تأخّر صلاة عيد الفطر شيئاً عن صلاة الأضحى، قاله الشَّيخ، لاستحباب الإفطار قبل خروجه هنالك، ولاشتغاله بإخراج زكاة الفطرة قبل الصَّلاة، وليتسع الزَّمان للتضحية بتقديم صلاة الأضحى).

وفي المدارك: (ويستحبّ تأخير صلاة العيد في الفطر شيئاً عن الأضحى بإجماع العلماء...).

أقول: ما ذكر من التعليلات لاستحباب التأخير لا يعدو عن كونها حكمةً.

وأمَّا الإجماع المنقول بخبر الواحد فهو غير حجَّة، مع أنَّ المصنِّف في الذِّكرى لم ينسب هذا الحكم إلَّا للشيخ (رحمه الله).

وبالجملة، فالمسألة مبنيَّة على التسامح في أدلَّة السُّنن، وقد عرفت ما فيها.

() قال في المدارك: (قال في المدارك: يطعم -بفتح الياء وسكون الطَّاء- مضارع طَعِم كعلم، أي يأكل، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنَّه قول عامَّة أهل العلم...).

وفي الجواهر: (إجماعاً منَّا بقسمَيْه ونصوصاً...).

وفي الذِّكرى: (يستحبّ أن يطعم قبل خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحى، لوجوب الإفطار في يوم الفطر، للفصل بينه وبين الصوم، فيستحبّ المبادرة إليه).

أقول: هذه المسألة من الأمور المتسالم عليها قديماً وحديثاً، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت من الواضحات.

ومع ذلك، تدلّ عليها جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: لا تخرج يوم الفطر حتَّى تطعم شيئاً، ولا تأكل يوم الأضحى شيئاً إلَّا مِنْ هَدْيك وأُضْحيَّتك؛ وإن لم تقوَ فمعذور)(3).

ومنها: صحيحته الثانية (قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يأكل يوم الأضحى شيئاً حتَّى يأكل من أُضْحيَّته، ولا يخرج يوم الفطر حتَّى يَطْعم ويؤدِّي الفطر، ثمَّ قال: وكذلك نفعل نحن)(4).

ومنها: مرسلة الفقيه (قال: وكان عليّ (عليه السلام) يأكل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلّى، ولا يأكل يوم الأضحى حتَّى يذبح)(5)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: أطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلَّى)(6).

ومنها: رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: ليطعم يوم الفطر قبل أن يصلِّي، ولا يطعم يوم الأضحى حتَّى ينصرف الإمام)(7)، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة المدائني .

ومنها: موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: الأكل قبل الخروج يوم العيد، وإن لم يأكل فلا بأس)(8)، يعني عيد الفطر.

___________

(1) الوسائل باب9 من أبواب صلاة العيد ح2.

(2) المستدرك باب6 من أبواب صلاة العيد ح6.

(3و4و5و6و7و8) الوسائل باب12 من أبواب صلاة العيد ح1و2و3و4و5و7.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo