< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(5)

وفي الجواهر –تعليقاً على قول المحقّق لو فاتت لم تقضَ-: (على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، سواء كانت واجبةً أو مندوبةً، وفواتها عمداً كان، أو نسياناً...).

أقول: سيأتي -إن شاء الله تعالى- أنَّ وقت هذه الصَّلاة يمتد إلى الزَّوال.

وعليه، فالقضاء الذي هو عبارة عن فعل العبادة في خارج الوقت لا يصدق إلَّا على ما كان بعد الزَّوال مع أنَّ ظاهر كلامهم واختلافهم هنا يعطي أنَّ المراد بالقضاء إنَّما هو ما بعد فوات الجماعة، كما يعطيه مذهب ابن زهرة (رحمه الله)، وابن الجنيد (رحمه الله)، من فرضهم المسألة في مَنْ لحق الخطبة واستمع لها، وهذا لا يسمَّى قضاءً، بل إتيان لها في وقتها على جهة الاستحباب.

ومن هنا نقول: إنْ خرج وقتها ولم يصلّها فلا دليل على وجوب القضاءً، ولا على استحبابه، لأنَّ القضاء بأمر جديد ولم يثبت.

وأمَّا الاستدلال لوجوب القضاء بالنَّبويّ (مَنْ فاتته فريضة فَلْيقضها كما فاتته)(1).

ففيه أوَّلاً: أنَّه نبويّ مرسل ضعيف جدًّا، لا يعوَّل عليه.

وثانياً: أنَّ المراد -والله العالم- الصَّلاة اليوميَّة، كما هو المنصرف منها.

وقد يستدلّ لِعدم وجوب القضاء بصحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: مَنْ لم يصلِّ مع الإمام في جماعة، يوم العيد، فلا صلاة له، ولا قضاء عليه).

ولكن يظهر من هذه الصَّحيحة أنَّ مفادها: مَنْ فاتته الصَّلاة مع الإمام في جماعة لم يجب عليه تداركها، ولو مع بقاء وقتها، فضلاً عن خارجه.

وعليه، فلم يقصد بهذه الصَّحيحة القضاء المصطلح، بل مطلق فِعْلها بعد فوات الصَّلاة الواجبة عليه، وهي الصَّلاة مع الإمام؛ هذا كلّه إن خرج الوقت.

وأمَّا إذا لم يخرج، وقد فاتته الصَّلاة مع الإمام بسبب من الأسباب، فلا إشكال في استحباب الإتيان جماعةً أو فرادًى؛ وهذا ليس قضاءً لها، بل إتيان لها في وقتها.

وأمَّا القول: بأنَّها تقضى أربعاً، فقدِ استُدلّ له برواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): (قال: من فاتته صلاة العيد فليصل أربعاً)(2).

وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بأبي البختري وهب بن وهب، قال النَّجاشي: (إنَّه كذَّاب)، وقال الشَّيخ (رحمه الله) في الفهرست: (وهب بن وهب أبو البختري ضعيف، وهو عاميّ المذهب...).

وثانياً: أنَّ دلالتها ضعيفة، لأنَّ الأربع لا يتعيَّن كونها قضاءً.

وممَّا ذكرنا يتضح لك سقوط باقي الأقوال، من التخيير بين الرّكعتين والأربع؛ ومن أنَّه يصلِّي أربعاً مفصولات بتسلمتَيْن، أو يصلي الأربع بتسليمة واحدة.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (السَّادسة: لو ثبت الرُّؤية من الغد، فإن كان قبل الزَّوال صُلّيت العيد، وإن كان بعده سقطت، إلَّا على القول بالقضاء؛ وقال ابن الجنيد: إن تحققت الرُّؤية بعد الزُّوال افطروا، وعدوا إلى العيد، لِما رُوي أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وآله- قال: فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحّون، وعَرَفَتكم يوم تعرفون؛ ورُوي: أن رَكْبا شهدوا عنده أنَّهم رأَوا الهلال فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلّاهم، وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا).

أقول: هذه المسألة تختلف عن المسألة السَّابقة، لأنَّ الكلام هناك بعد العلم بثبوت العيد ففاتته الصَّلاة عمداً أو نسياناً، وقد عرفت حكمها.

وأمَّا الكلام هنا فهو في ثبوت العيد بعد الزَّوال، أو بعد فوات وقت الصَّلاة، فهل يصلّون في اليوم الثاني من العيد، أم لا؟

وقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ هذه الأخبار الدَّالة على الصَّلاة في اليوم الثاني من الغد لم تثبت من طرقنا.

ولكنَّ الإنصاف: عندنا روايات دالَّة على ذلك؛ ومجردُ موافقتها لأخبار العامَّة لا يسقطها عن الاعتبار، إذ لا معارض لها.

وهذه ثلاث روايات:

الأُولى -وهي العمدة-: صحيحة محمَّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنَّهما رآيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشَّمس؛ فإن شهدا بعد زوال الشَّمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم، وأخَّر الصَّلاة إلى الغد فصلَّى بهم)(2).

_____

(1) سنن أبي داود: ج1، ص300.

(2)و(3) الوسائل باب9 من أبواب صلاة العيد ح1و2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo