< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعاملات/ المكاسب المحرَّمة | ما حرم لعينه (الغش)

= قال: (من المحتمل قريباً أنَّ النَّهي في الأخبار المتقدِّمة، وما في معناه، إنَّما هو من حيث عدم صلاحيَّة المبيع المذكور للبيع من حيث الغِشّ، كبيع العَذرة، ونحوها، ممَّا منعت منه الأخبار؛ لِعدم قابليّتها للانتقال، وإنِ اختلف الوجه في كلٍّ منهما، وأنَّ الوجه في المنع العَذرة والخمر، ونحوها، من حيث النجاسة، وفيما نحن فيه من حيث الغش...).

وذكر المحقَّق الكركي رحمه الله في جامع المقاصد وجهَيْن في صحَّة المعاملة وفسادها، فالصِّحَّة: من حيث إنَّ المحرَّم هو الغشُّ، والمبيع عين مملوكة يُنتفع بها؛ والفساد: من حيث أنَّ المقصود بالبيع هو اللبن، والجاري عليه العقد هو المشوب بالماء.

أقول: قدِ استُدل لبطلان المعاملة بعدَّة أدلَّة:

الأوَّل: أنَّ البيع ينطبق عليه عنوان الغِشُّ، كما في صحيحة هشام المتقدِّمة: (أنَّ البيع في الظِّلال غِشٌّ، والغِشُّ لا يحلُّ)، وقد عرفت أنَّ الغِشَّ منهيّ عنه، وهو محرَّم والنَّهي يدلُّ على الفساد.

وفيه: أنَّ النَّهي النَّفسيّ المتعلِّق بالمعاملة لا يدلُّ على الفساد، كما حقِّق ذلك في علم الأصول.

الدَّليل الثاني: ورود النَّهي عن بيع المغشوش، فإنَّه يدلُّ على الفساد؛ لأنَّ النَّهي حينئذٍ يكون إرشاديّاً.

وفيه: أنَّه لا إشكال في فساد المعاملة إذا كان النَّهي إرشاديّاً، نظير قوله عليه السلام : (لا تَبِعْ مَاْ لَيْسَ عِنْدَك)، إلَّا أنَّه لا يوجد هنا ما يدلُّ على النَّهي عن بيع المغشوش، إلَّا روايتي موسى بن بكر والجعفي، وسيأتي الكلام عنهم -إن شاء الله تعالى-.

الدَّليل الثالث: هو ما أشار إليه المحقِّق الكركي رحمه الله، وغيره من الأعلام، من أنَّ العقد تعلَّق بالمبيع المعنون بكونه غير مغشوش، لا بذات المبيع بأيِّ عنوان اتَّفق.

وعليه، فلو تبيَّن كونه مغشوشاً، فلم يقع عليه العقد، وما وقع عليه العقدلم يوجد.

وبالنتيجة: فما قصد لم يقع، وما وقع لم يقصد.

وفيه: أنَّ هذا الكلام كبرويّاً لا غبار عليه، وإنَّما الكلام في الصُّغرى، وهذا ما يحتاج إلى تفصيل في الكلام.

فنقول: لا إشكال بين جميع الأعلام في صحَّة البيع إذا كان البيع كليّاً في الذمَّة، وكان الغِشُّ في الفرد المقبوض، ففي هذه الصُّورة يردُّ المشتري المغشوش، ويستبدله بالفرد الصَّحيح.

والسِّرّ في صحَّة البيع في هذه الحالة: هو أنَّه لا يوجد غِشّ في المبيع، وإنَّما الغِشُّ في تطبيق المبيع الكلِّي على الفرد الخارجيّ.

وأمَّا إذا كان المبيع شخصيّاً، وليس كليّاً في الذمَّة، فإنْ كان الوصف الذي وقع عليه البيع من الصُّوَر النوعيَّة عند العرف، كما لو باع الموجود الخارجي بعنوان أنَّه ذهب فتبيَّن أنَّه نحاس مذهَّب، فيبطل البيع؛ لأنَّ ما وقع عليه العقد لم يوجد، وما هو موجود لم يقع عليه العقد.

وأمَّا إذا كان من الأوصاف الكمالية، ونحوها، كما لو اشترى العبد على أنَّه كاتب، فتبيَّن أنَّه لا يُحْسِن الكتابة فلا يبطل العقد.

نعم، يثبت للمشتري خيار الفسخ.

الدَّليل الرَّابع: ورود النَّهي عن بيع المغشوش في روايتين:

الأُولى: رواية موسى بن بكر (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام، فَإِذَا دَنَانِيرُ مَصْبُوبَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرَ إِلى دِينَارٍ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَلْقِهِ فِي الْبَالُوعَةِ حَتّى لَا يُبَاعَ شَيْ‌ءٌ فِيهِ غِشٌّ)(1)؛ وهي ظاهرة في النَّهي عن بيع المغشوش، فيكون إرشاداً إلى الفساد.

لا يقال: إنَّ موردها خاصّ، وهو الدِّينار.

فإنَّه يقال: إنَّ التعليل ظاهر في التعميم، أي أنَّ كلَّ ما فيه غِشّ لا يصحّ بيعه.

هذا، وقد ذكر بعضهم أنَّ هذه الرِّواية خارجة عن مسألة النَّهي عن نفس الغِشِّ؛ لأنَّه إذا وجب إتلاف الدِّينار، وإلقائه في البالوعة، كان داخلاً في ما حرم لغايته، لا لعينه، كما في النَّهي عن آلات اللهو والقمار، وسيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.

وفيه: أنَّ الاستدلال بهذه الرِّواية إنَّما هو بعموم التعليل، لا خصوص المورد الذي هو الدِّينار، وقد عرفت أنَّ الرِّواية دالَّة على أنَّ كلَّ ما فيه غِشّ لا يصحُّ بيعه.

والإنصاف: أنَّه لولا ضعف السَّند لصحَّ الاستدلال بهذه الرِّواية، لكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبالحسن بن علي بن أبي عثمان الملقَّب (سجادة)، فإنَّه ضعيف جدًّا.

بقي هنا شيء، وحاصله: أنَّه قد يُقال: إنَّ الدِّينار بتمامه مغشوش، لا أنَّ فيه غِش، وإلَّا لَمَا أمر الإمام عليه السلام بإلقائه في البالوعة؛ لأنَّه إسراف وتبذير.

وفيه: أنَّه على تقدير صحَّة الرِّواية لم يظهر لنا الوجه في الإلقاء، فإنَّا لا نحيط بجميع الجهات حتَّى نحكم بأنَّ الإلقاء في البالوعة يكون إسرافاً محرَّماً.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo