< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعاملات/ المكاسب المحرَّمة | القمار(3)

الأمر الثالث: المشهور بين الأعلام حرمة المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدَّة للقِمار، كالمراهنة على حَمْل الحجر الثقيل، وعلى المصارعة، ونحو ذلك.

وحكي عن العلَّامة الطَّباطبائي (رحمه الله) عدم الخلاف في التحريم والفساد.

ويظهر من صاحب الجواهر (رحمه الله) اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدَّة للقِمار، وأمَّا مطلق الرِّهان والمغالبة بغيرها فليس فيه إلَّا فساد المعاملة وعدم تملك الرَّهن، فيحرم التصرُّف فيه، لأنَّه أَكْل الماء بالباطل، ولا معصية من جهة العمل.

ومهما يكن، فقدِ استُدلّ للقول بالحرمة والفساد بعدَّة أدلَّة:

منها: الإجماع المنقول بخبر الواحد.

وفيه: أنَّه لو تمَّت دعوى الإجماع إلَّا أنَّه مع ذلك لا يصحّ الاستدلال به، لِما عرفت من أنَّه غير مشمول لأدلَّة حجيَّة خبر الواحد؛ مضافاً إلى احتمال أن يكون مدركيّاً.

ومنها: الآيات والرِّوايات الدَّالَّة على حرمة القِمار والميسر، فإنَّها بإطلاقها تدلّ على حرمة المراهنة بغير الآلات المعدَّة للقِمار لِصدق مفهوم القِمار عليه، إذِ القِمار هو الرَّهن على اللعب بأيِّ شيءٍ كان لا يختص ذلك بالآلات المعدَّة له، وهذا الدَّليل قويّ، والله العالم.

ومنها: جملة من الرِّوايات دلَّت على حرمة الرِّهان على المسابقة في غير الموارد المنصوصة:

منها: رواية العلاء بن سيَّابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) -حيث ورد في ذَيْلها-: (أنَّ الملائكة تحضر الرِّهان في الخُفِّ والحافر والرِّيش، وما سوى ذلك فهو قِمار حرام)(1)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة العلاء بن سيابة.

ومنها: مرسلة الفقيه (قال: قال الصَّادق (عليه السلام): إنَّ الملائكة لَتَنْفر عند الرِّهان، وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل، وقد سابق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد، وأجرى الخَيْل)(2)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومن جملة ما استُدلَّ به على حرمة اللعب بغير الآلات المعدَّة للقِمار مع الرَّهن ما في تفسير العيَّاشي عن ياسر الخادم عن الرِّضا (عليه السلام) (قال: سألتُه عن المَيْسر، قال: النَّعْل من كلِّ شيء، قال: والنَّعل ما يخرج ما بين المتراهنِين من الدَّراهم)(3)، وهي ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا ياسر الخادم فهو واقع في تفسير عليِّ بن إبراهيم، ومن مشايخه المباشرين.

واستُدلَّ أيضاً بصحيحة معمَّر بن خلَّاد المتقدِّمة عن أبي الحسن (عليه السلام) (قال: النَّرْد والشَّطْرَنـْج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكلّ ما قُومِر عليه فهو مَيْسر)(4).

فقوله (عليه السلام): (وكلُّ ما قُومِر عليه فهو مَيْسر)، ظاهر جدًّا في حرمة اللعب مع الرَّهن، سواء أكان بالآلات المعدَّة للقِمار، أم بغيرها.

فالإنصاف: أنَّ الرَّهنّ على اللعب بغير الآلات المعدَّة للقِمار حرام تكليفاً ووضعاً.

وأمَّا ما ذهب إليه صاحب الجواهر (رحمه الله)، فقد يستدلّ له بصحيحة محمَّد بن قَيْس عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلٍ آكلَ وأصحابٍ له شاةً، فقال: إنْ أكلتموها فهي لكم، وإنْ لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا، فقضى فيه: إنَّ ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام، ما قلَّ منه وما كثر، ومنع غرامة فيه)(5).

ووجه الاستدلال بها: أنَّه (عليه السلام) لم يردع عن هذا الفعل، فيدلّ على أنَّه ليس بحرام؛ نعم لا يترتب عليه الأثر.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه الصَّحيحة أجنبيَّة عن المراهنة بالأكل، لأنَّ مالك الشَّاة قد أباحها لهم، واشترط عليهم الضَّمان إذا تخلَّف الشَّرط، حيث قال: (وإنْ لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا)، فتكون ناظرةً إلى معاملة جديدة، وهي عقد المؤاكلة في الطعام، وقد قضى (عليه السلام) بفساد هذه المعاملة، وأنَّه لا يترتَّب عليها الأثر، حيث قال (عليه السلام): (إنَّ ذلك باطل، لا شيء في المؤاكلة من الطعام)، فهذه المعاملة باطلة، وليس كباقي المعاملات من الجُعَالة والمضاربة والمساقاة ونحوها، والله العالم.

ثمَّ إنَّك عرفت أنَّ المال المأخوذ بالمقامرة غير مملوك، فيجب ردّه على صاحبه إذا عُرِف بعينه، وإلَّا فإنْ كان في ضمن أشخاص محصورين وجب التخلُّص منهم بالصُّلح.

وإن كانوا غير محصورين فيكون حكمه حكم مجهول المالك، ولو أكل من مال المقامرة، ثمَّ علم بعد ذلك ضَمِنه، ولا يجب عليه استفراغه، لأنَّ الطعام بعد المضغ يعدُّ في العرف تالفاً.

مضافاً إلى أنَّه بعد القَيْءِ يصبح من الخبائث التي لا تدخل في المُلْك.

_________

(1) الوسائل باب3 من أبواب السَّبق والرِّماية ح3.

(2) الوسائل باب1 من أبواب السَّبق والرِّماية ح6.

(3) الوسائل باب104 من أبواب ما يكتسب به ح9، وتفسير العياشي: ج1، ص341، ط: طهران، وفيه: (قال: الثقل من كلِّ شيءٍ، قال: الخبزُ والثقلُ ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم وغيره).

(4) الوسائل باب104 من أبواب ما يكتسب به ح1.

(5) الوسائل باب5 من أبواب الجعالة ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo