< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرَّمة(7)

قوله: (وهو على أقسام)

الكلام في الحرمة التكليفيَّة، وأمَّا الحرمة الوضعيَّة التي هي بمعنى فساد المعاملة، وعدم ترتب الأثر عليها، فسنتكلم عنها بعد الفراغ عن الحرمة التكليفيَّة لكلّ قسم من أقسامها الآتيَّة -إن شاء الله تعالى-.

ثمَّ إنَّ الحرمة التكليفيَّة على ستَّة أقسام، كما ذكرها المصنِّف (رحمه الله)، وسنتكلم -إن شاء الله تعالى- عن كلّ قسم عند تكلُّم المصنِّف (رحمه الله) عنه.

قوله: (أحدها: ما حرم لعينه، كالغناء، فحرم فعله وتعلّمه وتعليمه واستماعه والتكسُّب به)

هذا هو القسم الأوَّل من الأقسام السِّتة، وهو ما حرم لعينه، أو ما يعبر عنه بالمحرَّم في نفسه، أي إنَّ حرمته لا لأجل شيء آخر.

وبعبارة أخرى، حرمته لا لنجاسة ولا لغاية ولا لعبث ولا لتعلُّق حقّ غيره به، ونحو ذلك.

وما حرم لعينه له أفراد كثيرة:

منها: الغناء، ويقع الكلام فيه في ثلاثة أمور:

الأوَّل: في حكمه.

الثاني: في مفهومه، وموضوعه.

الثالث: في الموراد التي استُثنيت من حرمة الغناء.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام حرمة الغناء.

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، والسّنُّة متواترة فيه -إلى أن قال:- بل يمكن دعوى كونه ضروريًّا في المذهب؛ فمن الغريب ما وقع لبعض متأخِّري المتأخِّرين تبعاً للمحكي عن الغزَّالي من عدم الحرمة فيما لم يقترن بمحرَّم خارجي، كالضرب بالوعد، والكلام بالباطل، ونحو ذلك...).

وفي المستند للنراقي: (فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنَّه غناء قطعاً -وهو مدّ الصَّوت المفهِم، المشتمل على الترجيع والإطراب، سيَّما مع الضَّميمة المذكورة- في الجملة، ولعلَّ عدم الخلاف بل الإجماع مستفيض، بل هو إجماع محقّق قطعاً، بل ضرورة دينيَّة؛ وإنَّما الكلام في أنَّه هل هو حرام مطلق من غير استنثاء فرد منه، أو يحرم في الجملة -يعني أنَّه يحرم بعض أفراده- إمَّا لاستثناء بعض آخر بدليل، أو لاختصاص تحريم الغناء ببعض أفراده...).

وقال الكاشاني (رحمه الله) في الوافي: (والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الواردة فيه اختصاص حرمة الغناء، وما يتعلق به -من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها- بما كان على النحو المتعارف في زمن بني أميَّة وبني العباس، من دخول الرِّجال عليهم، وتكلّمه بالأباطيل، ولعبهن الملاهي من العيدان والقصب وغيرها، دون ما سوى ذلك من أنواعه، كما يشعر به قوله: ليست بالتي يدخل عليها الرِّجال -إلى أن قال:- وعلى هذا فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمنّة لذكر الجنَّة والنَّار، والتشويق إلى دار القرار، ووصف نِعَم الملك الجبَّار، وذِكْر العبادات، والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات، ونحو ذلك، كما أشير إليه في حديث الفقيه، بقوله: فذكرتك الجنَّة، وذلك لأنَّ هذا كلّه ذكر الله، وربما تقشعرّ منه جلود الذي يخشون ربهم، ثمَّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله تعالى ...)، ومثله تقريباً الخراساني في الكفاية.

وأمَّا رأي العامَّة في الغناء، ففي الفقه على المذاهب الأربعة: (التغنَّي من حيث كونه ترديدَ الصَّوتِ بالألحان مباح لا شيء فيه؛ ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً....).

أقول: إذا عرفت ذلك، فقد استُدلّ على حرمة الغناء بالأدلَّة الثلاث: الإجماع، والكتاب المجيد، والسُّنّة النبويَّة الشَّريفة.

أمَّا الإجماع: وإن كانت دعواه مستفيضة، إلَّا أنَّه يحتمل أن يكون مدركيّاً، وليس تعبُّديًّا كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .

نعم، لا يبعد دعوى التسالم على حرمته في الجملة، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، مع عدمِ الاعتداد بمخالفة من خالف.

وأمَّا الكتاب المجيد: فأربع آيات شريفة، بضميمة الأخبار المفسِّرة لها:

الأُولى: قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}.

وهناك عدَّة من الرِّوايات طبَّقت قول الزُّور على الغناء:

منها: صحيحة زيد الشحَّام (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عزَّوجل: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، قال: قول الزُّور الغناء)(1)، والرِّواية صحيحة، لأنَّ دُرسْت الواسطي الواقع في السَّند ثقة، بدليل رواية عليّ بن الحسن الطَّاطري عنه في كثير من الموارد، وقد شهد الشَّيخ (رحمه الله) بوثاقة مشايخ الطَّاطري.

ومنها: مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، قال: قول الزُّور الغناء)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وإن كان المرسِل ابن أبي عمير.

ومنها: رواية أبي بصير (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزَّوجل: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، قال: الغناء)(3)، وهي ضعيفة أيضاً بسهل بن زياد، وبجهالة يحيى بن المبارك.

ومنها: رواية عبد الأعلى (قال: سألتُ جعفر بن محمَّد (عليه السلام) عن قول الله عزَّوجل: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، قال: الرّجس من الأوثان الشّطرنج، وقول الزُّور الغناء، قلت: قول الله عزَّوجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: منه الغناء)(4)، وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة، وبجهالة بعض الأشخاص، منهم المظفّر بن جعفر العلوي.

ومنها: حسنة هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، قال: الرّجس من الأوثان الشّطرنج، قول الزُّور الغناء)(5).

هذا، وقد استُشكل في الاستدلال بهذه الآية الشَّريفة، بضميمة الرِّوايات المفسِّرة لها، بإشكالين:

أحدهما: أنَّ "قول الزُّور" من مقولة الكلام، مع أنَّ الغناء باتِّفاق أهل اللغة والفقهاء والعرف والنصوص أنَّه من كيفيَّات الأصوات، وليس من الأصوات التي هي لفظ وكلام.

والجواب: أنَّ هذا لا يضرّ بالاستدلال، لاتّحادهما خارجاً، فإذا كانت الكيفيَّة زوراً وباطلاً صدق أنَّ الكلام زور وباطل.

ثانيهما: أنَّ تفسير "قول الزُّور" بالغناء يعارضه تفسيره بغير الغناء، كما في صحيحة حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألتُه عن قول الزُّور، قال: منه قول الرَّجل للذي يغني: أحسنت)(6).

____________

(1)و(2)و(3)و(4) الوسائل باب99 من أبواب ما يكتسب به ح2و8و9و20.

(5) الوسائل باب99 من أبواب ما يكتسب به ح26.

(6) الوسائل باب99 من أبواب ما يكتسب به ح21.

 

وكما في مجمع البيان (قال: عند تفسير الآية الشريفة: وروى أيمن بن خُرّيم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنَّه قام خطيباً، فقال: أيُّها النَّاس! عدلت شهادة الزُّور بالشِّرك بالله، ثمَّ قرأ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، يريد أنَّه قد جمع في النّهي بين عبادة الوثن وشهادة الزور...)(1)، وهي رواية نبويَّة ضعيفة بالإرسال، وبغير ذلك.

وفيه: أنَّ الرِّوايات الواردة في تفسير القرآن، إنَّما تدلّ على أنَّ مضمونها مصداق للآية الشَّريفة، وليست الآية الشَّريفة منحصرة بما دلَّت عليه الرِّواية حتَّى يقع التعارض، بل ذكرنا في بعض المناسبات أنَّ أغلب الرِّوايات الشَّريفة الواردة في تفسير القرآن الكريم هي من قبيل بيان المصداق لها.

وعليه، فقد يكون للآية الشَّريفة عدة مصاديق.

ومن هنا، قلنا: إنَّ قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} لها عدَّة مصاديق بحسب ما دلَّت عليه الأخبار.

والخلاصة: أنَّ الاستدلال بهذه الآية الشَّريفة على حرمة الغناء تامّ.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo