< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(7)

ومنها: صحيحة أبي بصير ومحمَّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إنَّ الله عزَّوجل فرض في كلِّ سبعة أيام خمساً وثلاثين صلاةً، منها صلاة واجبة على كلِّ مسلم أن يشهده، إلَّا خمسة: المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصَّبي)([1] ).

والكلام فيها كالكلام في الصَّحيحة المتقدِّمة.

ومنها: صحيحة زرارة (قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السَّلام): على مَنْ تجب الجمعة؟ قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمي ، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة، ولم يخافوا، أَمَّهم بعضهم، وخطبهم)([2] ).

وفي الحدائق: (قال بعض المحدِّثين من متأخِّري المتأخِّرين: وهذا نصّ في عدم اشتراط الأذان الذي ادَّعوه، وأنَّ مرادهم بالإمام في مثل هذا الموضع إمام الصَّلاة، المعصوم (عليه السَّلام)...).

أقول: هذه الصَّحيحة ليست ظاهرةً في ذلك، فضلاً عن أن تكون نصّاً في المطلوب، بل هي ظاهرة في الرُّخصة في الفعل، لأنَّه في مقام توهُّم الحظر.

ومنها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فَلْيصلُّوا في جماعة، لِيَلبس البُرْد والعمامة، ويتوكَّأ على قوس، أو عصا...)([3] ).

وفيه: أنَّ مرجع الضَّمير مجمل، فيحتمل أن يكون المراد منه الإمام (عليه السَّلام) ، أو نائبه الخاصّ.

وأمَّا القول بأنَّ مرجع الضَّمير هو إمام الجماعة من مطلق المكلَّفين - فتكون دالَّةً على المطلوب- فلا قرينة عليه.

أضف إلى ذلك: أنَّه لو سلَّمنا رجوع الضَّمير إلى مطلق المكلَّفين، إلَّا أنَّه يمكن حمل الأمر على الرُّخصة، باعتبار توهُّم الحظر.

ومنها: صحيحة الفضل بن عبد الملك (قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) يقول: إذا كان قوم في قرية صلُّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا، إذا كانوا خمس نفر، وإنَّما جُعِلت ركعتين لمكان الخطبتين)([4] ).

قال صاحب الحدائق (رحمه الله) (أقول: وهذا نصّ أيضاً في عدمِ اشتراط إذن الإمام أو حضوره ...).

أقول: قد عرفت سابقاً أنَّ المراد بمن يخطب هو المنصوب لذلك، لا مطلق من يقدر على الخطابة، فهذه الصَّحيحة عليهم، وليس لهم، فلا دلالة لها على مطلوبهم، فضلاً عن كونها نصّاً.

والخلاصة: أنّها دالَّة على وجوب الجمعة على كلِّ أحد، بشرط أن يجتمع معه عدَّة أشخاص فما زاد، ويكون لهم من يخطب، وإلَّا فلا تجب عليهم، وقد عرفت المراد بمن يخطب.

ومن جملة الرِّوايات التي استدلُّوا بها: صحيحة زرارة المتقدِّمة (قال: حثَّنا أبو عبد اله (عليه السَّلام) على صلاة الجمعة حتَّى ظننت أنَّه يريد أن نأتيه، فقلتُ: نغدو عليك، فقال: لا إنَّما عنيتُ عندكم)([5] ).

وموثَّقة عبد الملك المتقدِّمة أيضاً عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: قال: مثلك يهلك، ولم يصلّ فريضةً فرضها الله، قال: قلتُ: كيف أصنع؟ قال: صلُّوا جماعةً، يعني صلاة الجمعة)([6] ).

ولكن ذكرنا سابقاً أنَّ هاتين الرِّوايتين من أقوى الرِّوايات الدَّالة على عدم الوجوب التعييني، فراجع ما ذكرناه عند الاستدلال بالرِّوايات للقول الأوَّل.

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علّة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض من غير علَّة إلَّا منافق)([7] ).

وفيها أوَّلاً: أنَّ المراد من الإمام هو الإمام المعهود (عليه السَّلام)، أو نائبه الخاصّ.

وثانياً -مع قطع النَّظر عن ذلك-: أنَّ الصَّحيحة تقول: (ولا يدع ثلاث فرائض من غير علَّة إلَّا منافق)، وهل هناك أعظم علَّة من قصور يد الإمام (عليه السَّلام)، كما لا يخفى، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.

والإنصاف: أنَّ أكثر الرِّوايات التي استدلُّوا بها للوجوب التعييني لا تدلّ عليه، وأمَّا ما يدلّ عليه فإنَّما دلالته كانت بالإطلاق، ولا بدّ من رفع اليد عن هذا الإطلاق، وحمل الرِّوايات على الوجوب التخييري، وذلك لما ذكرناه من الأدلَّة للقول الأوَّل، فإنَّ هذه قرينة قطعيَّة على عدم إرادة الوجوب التعييني من الرِّوايات التي استدلّ بها أصحاب القول الثاني، والله العالم.

القول الثالث: وهو أنَّه لا يجب انعقادها تعييناً، ولكن إذا انعقدت وجب الحضور تعييناً فالتخيير في أصل الانعقاد، لا بعد الانعقاد، حُكِي هذا عن المصنِّف (رحمه الله) في غاية المراد، حيث قال: (في استحباب الاجتماع لصلاة الجمعة في الحال المذكور، لا في إيقاع الجمعة، فإنَّه مع الاجتماع يجب الإيقاع، ويتحقَّق البدليَّة من الظُّهر- قولان ...).

وحُكِي أيضاً عن الفاضل المقداد (رحمه الله) في التنقيح، حيث قال: (وموضع البحث إنَّما هو استحباب الاجتماع لا إيقاع الجمعة، فإنَّه مع الاجتماع يجب الإيقاع، ويتحقّق البدليَّة من الظُّهر...).

ويظهر أيضاً من أبي الصَّلاح (رحمه الله)، بل ربّما استظهر من أكثر القائلين بالتخيير.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا دليل على صيرورتها بعد الاجتماع واجباً تعييناً بعد أن لم تكن كذلك، وكونه مجزئة عن الظُّهر غير مقتضية لذلك.

وعليه، فالقول: بأنَّه لم يجز له بعد الاجتماع تركها واختيار الظُّهر، في غير محلِّه أصلاً.

نعم، الأحوط استحباباً حضورها بعد الانعقاد، والله العالم.

القول الرابع: ما ذهب إليه المحقِّق الثاني (رحمه الله) من وجوب صلاة الجمعة وجوباً تخييريّاً حال الغيبة، لكن بشرط حضور الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، وإلَّا لم تشرع، بل نزَّل كلمات القائلين بالجواز، كلّها على ذلك، بحيث عدّه من الأمور المسلّمة لديهم، فقال -بعد أن احتجّ على اعتبار المجتهد بأنَّه لا تعلم خلافاً بين أصحابنا في أنَّ اشتراط الجمعة بالإمام ونائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الإمام وغيبته- ما لفظه: (فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط، وقد نبه المصنِّف على ذلك في المختلف، وشيخنا الشّهيد في شرح الإرشاد؛ وما يوجد من إطلاق بعض العبارات فعل الجمعة من غير تقييد، كما في عبارة هذا الكتاب، فالاعتماد فيه على ما تقرّر في المذهب، وصار معلوماً، بحيث صار تقييده به في كلّ عبارة ممّا يكاد يعدّ مستدركاً).

وقال في ردّ ما استند إليه ابن إدريس (رحمه الله) على الحرمة -بأنَّ من شرط انعقاد الجمعة الإمام، أو من نصّبه الإمام للصَّلاة، وهو منتفٍ، فتنتفي الصَّلاة ببطلان انتفاء الشَّرط-: (فإنَّ الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى منصوب من قبل الإمام، ولهذا تُمضى أحكامه، وتجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين النَّاس؛ لا يقال: الفقيه منصوب للحكم والإفتاء والصَّلاة أمر خارج عنهما، لأنَّا نقول: هذا في غاية السُّقوط، لأنَّ الفقيه منصوب من قبلهم حاكماً، كما نطقت به الأخبار...).

_____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo