< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(29)

أقول: هذا - الإجماع- هو العمدة في الاستدلال على حرمة قطع الصَّلاة اختياراً، وبما أنَّه دليل لبّيّ فيُقتصر فيه على القدر المتيقَّن، وهو الصَّلاة الواجبة اختياراً، فلا يحرم قطع النافلة.

ولكنَّك عرفت أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجَّة إلَّا إذا كانت المسألة متسالم عليها.

ولكن قال صاحب الحدائق : (وكان بعض المعاصرين يفتي لذلك بجواز قطع الصَّلاة اختياراً، ويجوز له في الشُّكوك المنصوصة قطع الصَّلاة، والإعادة من رأس، للخروج عمَّا في بعض صدرها من الخلاف...).

ومهما يكن، فقدِ استُدل لحرمة القطع -مضافاً لدعوى الإجماع المتقدِّمة-: ببعض الأدلَّة:

منها: قوله تعالى: ﴿{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.﴾

وفيه أوَّلاً: أنَّ سياقها يشهد بأنَّ المراد لا تبطلوا الأعمال بعد إتمامها بما يحبط أجرها، ويجعلها كأن لم تكن كالارتداد ونحوه، ولا نظر فيها إلى الإبطال في أثناء العمل.

وثانياً: أنَّه بناءً على ذلك يلزم تخصيص الأكثر لأنَّ الخارج منه أضعاف الدَّاخل، لأنَّ الأعمال في الآية عامّ يشمل الواجبات على أنواعها من التعبديَّة والتوصليَّة، ويشمل المستحبَّات، مع أنَّه يجوز قطع العمل في عامَّة الواجبات والمستحبَّات التعبديَّة والتوصليَّة، إلَّا القليل منها، كالحجّ الواجب والمندوب، وصوم شهر رمضان وقضاؤه بعد الزَّوال، وأمَّا قبل الزَّوال فيجوز له أن يرفع يده عن الصَّوم الذي يصوم ذلك اليوم فيه قضاءً.

وبالجملة، فأيّ فرق بين الصَّلاة والوضوء و والغسل وتشييع الجنائز، وسائر أنواع العبادات والمعاملات التي يجوز قطع العمل فيها، والتي لا تكاد تحصى.

والحاصل أنَّ الآية الشَّريفة أجنبيَّة عن المدَّعى.

وممَّا يؤيِّد أنَّ المراد منها النَّهي عن إحباط العمل بالارتداد ونحوه: ما ورد في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرةً في الجنَّة، ومَنْ قال: الحمد لله، غرس الله له بها شجرةً في الجنَّة، ومَنْ قال: لا إله إلَّا الله، غرس الله له بها شجرةً في الجنَّة، ومَنْ قال: الله أكبر غرس الله له بها شجرةً في الجنَّة، فقال رجل من قريش: يا رسول الله! إنَّ شجرنا في الجنَّة لكثير، فقال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها، وذلك أنَّ الله عزَّوجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ})([1] وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

ومنها: روايات (تحريمها التكبير وتحليلها التسلم) المتقدِّمة في محلّها، كما عن الحدائق، حيث قال: (فإنَّه لا معنى لكون تحريمها التكبير إلَّا تحريم ما كان محلّلاً على المصلِّي قبل التكبير، وأنَّه بالدّخول فيها بالتكبير تحرم عليه تلك الأمور، من الاستدبار، والكلام عمداً، والحدث، ونحو ذلك، وأنَّ هذه الأشياء إنَّما تحلّ عليه بالتسليم...).

وفيه: أنَّ المراد من تحريمها التكبير هو الحكم الوضعيّ من حيث الصّحّة والفساد، أي إذا كبَّر للصَّلاة، وأتى بالمنافيات من الاستدبار والتكلّم بالكلام الآدمي، ونحو ذلك، فتفسد الصَّلاة وتبطل، لا أنَّ الإتيان بهذه الأمور في أثناء الصَّلاة يحرم تكليفاً، بدليل أنَّ هذه النصوص -تحريمها التكبير... - تشمل النافلة.

ومع ذلك يجوز قطعها، ويجوز تكليفاً فِعْل المنافيات في أثنائها، ولا يحرم عليه ذلك .

نعم، غاية ما هنالك أنَّها تفسد بفعل هذه الأمور.

ومنها: ما ورد في كثير الشَّكّ، كما في حسنة زرارة وأبي بصير جميعاً (قالا: قلنا له: الرَّجل يشكّ كثيراً في صلاته، حتَّى لا يدري كما صلَّى -إلى أن قال:- ولا تعودنّ الخبيث من أنفسكم نقض الصَّلاة فتطمعوه، فإنَّ الشَّيطان خبيث معتاد لما عُوِّد فليمضِ أحدكم في الوهم، ولا يكثرنّ نقض الصَّلاة...)([2] ).

وفيه: أنّها تدلّ على عدم إطاعة الشَّيطان والانقياد له، من نقض الصَّلاة ولذا يعمّ النافلة والوضوء، وغيرهما، ممَّا يجوز قطعه، مع أنَّه منهيّ عن إطاعة الشَّيطان فيها.

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرعاف، أيقض الصَّلاة؟ قال: لو أنَّ رجلاً رعف في صلاته، وكان عنده ماءً، أو من يشير إليه بماء فتناوله، فقال: (فمال) برأسه فغسله فليبنِ على صلاته، ولا يقطعها)([3] )، وكذا غيرها ممَّا تضمن الأمر بالإتمام، والنَّهي عن القطع الظَّاهر في الحرمة.

وفيه: أنّها ظاهرة في الإرشاد إلى صحَّة الصَّلاة، وعدم لزوم استئنافها، لا في وجوب إتمامها تعبّداً.

وهناك أيضاً بعض الأدلَّة ذكرت في المقام، ولا حاجة لبيانها، لعدم تماميتها.

والخلاصة: أنَّ العمدة في المقام هو الإجماع، والذي لا يبعد حصول التسالم على الحرمة.

وعليه، فالأحوط وجوباً عدم قطع صلاة الفريضة اختياراً، والله العالم.

وأمَّا الأمر الثاني: في موارد الاستثناء بناءً على حرمة القطع، والمعروف بين الأعلام جواز قطع الصَّلاة لأشياء، وعبَّر عنها بعضهم بالضَّرورة، وقد مثَّل لها العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (بمن رأى دابَّة له انفلتت والغريم الذي يخاف فواته، والمال الذي يخاف ضياعه، والغريق الذي يخاف هلاكه، والحريق الذي لحقه، والطفل الذي يخاف سقوطه).

وقال في التحرير : (يحرم إلَّا ضرورة دينيَّة أو دنيويَّة...)، وفي المحكي عن الموجز (إلَّا لعذر).

وهنا في الدُّروس قال: (إلَّا لضرورة كفوات مال، وتردِّي طفل...).

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه قد يجب القطع إذا كان ما يخاف منه ممَّا يجب حفظه، كإنقاذ نفس محترمة من الغرق والحرق، ونحوه، لأنَّ الصَّلاة التي لم يتضيَّق وقتها لا تكون مانعةً عن تنجّز التكليف بشيءٍ من الواجبات المضيَّقة المضادَّة لها.

ثمَّ إنَّ الشهيدَيْن قسَّما قطع الصَّلاة إلى الأقسام الخمسة، ففي الذِّكرى -بعد أن حكم بتحريم القطع إلَّا في موارد الضَّرورة- قال: (وقد يجب القطع، كما في حفظ الصَّبي، والمال المحترم من التلف، وإنقاذ الغريق والمحترق، وحيث يتعيَّن عليه فلو استمرَّ بطلت صلاته، للنهي المفسِد للعبادة، وقد لا يجب، بل يباح، كقَتْل الحيَّة التي لا يغلب على الظنّ أذاها، وإحراز المال الذي لا يضرّ فوته؛ وقد يستحبّ، كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة، وقراءة الجمعة والمنافقين في الظُّهر والجمعة، والائتمام بإمام الأصل، وغيره، وقد يكره، كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته مع احتمال التحريم).

وقال في المسالك: (فإنَّ قطعها لحفظ الصَّبي المتردِّي إذا كان محترماً واجب، وكذا حِفْظ المال المضرّ فوته بحاله، وقطعها لإحراز المال اليسير الذي لا يضرّ فوته مباح، ولإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته،كالحبَّة والحبَّتين من الحنطة مكروه -إلى أن قال:- قد يستحبّ قطعها لأمور تقدَّم بعضها، كناسي الأذان والإقامة، فقطع الصَّلاة منقسم إلى الأحكام الخمسة).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo