< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(27)

إذا رد بعض القوم هل يسقط أصل الاستحباب عن الباقي؟

وبالجملة، فالمراد بكفاية فعل الواحد هو سقوط شدَّة التأكّد عن الباقين لا أصل الاستحباب.

ثمَّ لا يخفى أنَّه يسقط بردّ من كان داخلاً في المسلَّم عليهم، فلا يسقط برد من لم يكن داخلاً فيهم، والله العالم.

بقي شيء في المقام، وهو هل يسقط بردّ الصَّبيّ المميِّز الدَّاخل فيهم، أم لا؟

قال في المدارك: (وجهان، أظهرهما العدم، وإن قلنا: إنَّ عبادته شرعيَّة، لعدم امتثال الأمر المقتضي للوجوب...)، وفي الجواهر: (فهل يسقط وجوب الردّ بردّ الصَّبي المميِّز؟ الظَّاهر العدم...).

ويظهر من المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى بناءُ المسألة على شرعيَّة عبادة الصَّبيّ أو أنَّ أفعاله تمرينيّة، حيث قال: (وجهان، مبنيان على صحّة قيامه بفرض الكفاية، وهو مبنيّ على أنَّ أفعاله شرعيَّة أو لا، وقد سبقت الإشارة إليه...).

أقول: أمَّا ما ذكره المصنِّف (رحمه الله): (منِ ابتناء المسألة على شرعيَّة عبادة الصَّبيّ...).

فيرد عليه: أنَّه لا يعتبر في ردّ السَّلام قصد القربة، ووقوع الردّ على وجه العبادة، وإنَّما المعتبر هو صدق اسم الردّ عليه.

وشمول ما دلّ على سقوط الواجب بفعله، والفرض أنَّه شامل لفعله، لإطلاق موثَّقة غياث المتقدِّمة.

ودعوى انصراف الردّ إلى من وجب عليه دون الصَّبيّ الذي لا يجب عليه الردّ، عهدتها على مدّعيها، وتحتاج إلى إثبات.

وعليه، فإنَّ قوله (عليه السَّلام) في الموثَّقة: (وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم) يشمل الصّبيّ المميِّز، لأنَّه واحد من تلك الجماعة التي سلّم عليها؛ وعدمُ كون الفعل واجباً عليه لا ينافي كونه مسقطاً للواجب.

وقاعدة عدم الاجتزاء بالمستحبّ عن الواجب ليست من القواعد العقليَّة التي لا تقبل التخصيص.

نعم، لو كان المستند لوجوب الردّ هو الإجماع لوجب الاقتصار على القدر المتيقَّن، وهو البالغ.

ولكنَّك عرفت أنَّ المستند هو الإطلاق في موثَّقة غياث.

ويؤيِّدها الإطلاق في مرسلة ابن بكير المتقدِّمة، والله العالم.

الأمر العاشر: يقع الكلام فيه من جهتين: الأُولى: في جواز التسليم على أهل الكتاب، وباقي الكفار.

الثانية: في وجوب الردّ عليهم إذا سلّموا وكيفيّته.

أمَّا الجهة الأُولى: فالمعروف بين الأعلام عدم جواز ابتدائهم بالسَّلام، قال العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة: (ولا يسلَّم على أهل الذمة ابتداءً...).

أقول: قد يستدلّ لعدم جواز ابتدائهم بالسَّلام بجملة من الرِّوايات:

منها: موثَّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم، وإذا سلَّموا عليكم فقولوا: وعليكم)[1] .

ومنها: رواية أبي البُختري عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تبدؤوا أهل الكتاب (اليهود والنصارى) بالسَّلام، وإن سلَّموا عليكم فقولوا: عليكم، ولا تصافحوهم ولا تكنّوهم، إلَّا أن تضطروا إلى ذلك)[2] ، وهي ضعيفة بأبي البختري وهب بن وهب، وقيل: إنَّه أكذب البريَّة.

ومنها: رواية السَّكوني عن جعفر بن محمَّد عن آبائه (عليهم السَّلام) (قال: سِتَّةٌ لا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ: الْيَهُودِيُّ، وَ النَّصْرانِيُّ، وَ الرَّجُلُ عَلى غائِطِه، وَعَلى مَوائِدِ الْخَمْر، وَ عَلى الشّاعِرِ الَّذي يَقْذِفُ الْمُحْصَناتِ، وَ عَلى الْمُتَفَكِّهينَ بِسبّ الاُمَّهاتِ)[3] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة بنان بن محمَّد بن عيسى، قال الكشِّي: (بنان: لقب أخي أحمد بن محمَّد بن عيسى، وهو عبد الله).

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ وجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع، لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين.

ومنها: رواية الأصبغ بن نباتة عن عليٍّ (عليه السَّلام) -في حديث- (قال: ستّة لا ينبغي أن يسلَّم عليهم: اليهود والنصارى...)[4] ، وهي ضعيفة بأبي جميلة، وعدم وثاقة سعد بن ظريف.

ورواها ابن إدريس (رحمه الله) نقلاً من رواية أبي القاسم بن قُولُوَيْه عن الأصبغ، وهي أيضاً ضعيفة لأنَّ ابن إدريس (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى ابن قُولُوَيْه، فتكون مرسلةً.

وأيضاً لم يُعرف طريق ابن قُولُوَيْه إلى الأصبغ، فتكون بهذه الجهة أيضاً مرسلة، أو بحكم المرسلة، كما أنَّها ضعيفة من جهة الدَّلالة، لأنَّ لفظ (لا ينبغي) ظاهر في الكراهة، لا الحرمة.

ومنها: رواية مسعدة بن صدقة المتقدِّمة عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (عليه السَّلام) (قال: لا تسلِّموا على اليهود، ولا النصارى، ولا على المجوس، ولا على عبدة الأوثان...)[5] ، وهي ضعيفة أيضاً بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.

والعمدة حينئذٍ هي موثَّقة غياث .

ولكنَّ الإنصاف: هو الجواز على كراهة، وذلك لِصحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج (قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السَّلام): أرأيت إنِ احتُجت إلى طبيبٍ، وهو نصراني، أسلِّم عليه، وأدعوا له؟ قال: نعم، إنَّه لا ينفعه دعاؤك)[6] .

هذا، وقد حملها جماعة من الأعلام -ومنهم صاحب الحدائق (رحمه الله)- على حال الضَّرورة.

وفيه: أنَّ الضَّرورة هي حاجته إلى الطبيب، وهي لا تلازم التسليم عليه بالتحيَّة الإسلاميَّة، إذ يمكن التحيَّة عليه بسائر التحيَّات العرفيَّة الجائزة شرعاً.

وعليه، فلمَّا رخّص له الإمام (عليه السَّلام) بالتحيَّة الشَّرعيَّة، مع إمكان التحيَّة بغيرها، دلَّ ذلك على الجواز حينئذٍ.

ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين موثَّقة غياث هو حَمْل النَّهي في موثَّقة غياث على الكراهة، والغاية من التسليم -مع أنَّه لا ينفعه- هو مجرد الرِّفق وتأليف القلوب


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo